للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[ذكر التهذيب والتأديب]

تهذيب تأديبه قد زاده عظمًا ... في مهده وهو طفل غير منفطم

نوع التهذيب والتأديب ما قرروا له شاهدًا يخصه؛ لأنه وصف يعم كل كلام منقح محرر، وهو عبارة عن ترداد النظر في الكلام بعد عمله، والشروع في تهذيبه وتنقيحه، نظمًا كان أو نثرًا، وتغيير ما يجب تغييره، وحذف ما ينبغي حذفه وإصلاح ما يتعين إصلاحه، وكشف ما يشكل من غريبه وإعرابه وتحرير ما يدق من معانيه، وإطراح ما يتجافى عن مضاجع الرقة من غليظ ألفاظه، لتشرق شموس التهذيب في سماء بلاغته، وترشف الأسماع على الطرب رقيق سلافته، فإن الكلام إذا كان موصوفًا بالمهذب، منعوتًا بالمنقح، علت رتبته وإن كانت معانيه غير مبتكرة. وكل كلام قيل فيه: لو كان موضع هذه الكلمة غيرها، أو لو تقدم هذا المتأخر وتأخر هذا المتقدم، أو لو تمم هذا النقص بكذا، أو لو تكمل هذا الوصف بكذا، أو لو حذفت هذه اللفظة، أو لو اتضح هذا المقصد، وسهل هذا المطلب لكان الكلام أحسن، والمعنى أبين، كان ذلك الكلام غير منتظم في سلك نوع التهذيب والتأديب.

وكان زهير بن أبي سلمى معروفًا بالتنقيح والتهذيب، وله قصائد تعرف بالحوليات، قيل: إنه كان ينظم القصيدة في أربعة أشهر، ويهذبها وينقحها في أربعة أشهر، ويعرضها على علماء قبيلته في أربعة أشهر. ويروى، أنه كان يعمل القصيدة في شهر وينقحها ويهذبها في أحد عشر شهرًا. ولا جرم أنه قلما يسقط منه شيء، ولهذا كان الإمام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مع جلالته في العلم، وتقدمه في النقد، يقدمه على سائر الفحول من طبقته، وما أحسن ما أشار أبو تمام إلى التهذيب بقوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>