للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[ذكر حسن النسق]

من ذا يناسقهم من ذا يطابقهم ... من ذا يسابقهم في حلبة الكرم

هذا النوع، أعني حسن النسق، ويسمى التنسيق، من محاسن الكلام، وهو أن يأتي المتكلم بالكلمات من النثر، والأبيات من الشعر، متتاليات متلاحمات تلاحمًا مستحسنًا مستبهجًا، وتكون جملها ومفرداتها منسقة متوالية، إذا أفرد منها البيت قام بنفسه واستقل معناه بلفظه، كقوله شرف الدين القيرواني:

جاور عليًّا ولا تحفل بحادثة ... إذا ادّرعت فلا تسأل عن الأسل١

سل عنه وانطق به وانظر إليه تجد ... ملء المسامع والأفواه والمقل

فالحظ حسن النسق، وصحة هذا التركيب فيه، واستيعاب هذا التقسيم، ووضوح هذا التفسير.

ومنه قول أبي نواس:

وإذا جلست إلى المدام وشربها ... فاجعل حديثك كله في الكاس

وإذا نزعت عن الغواية فليكن ... لله ذاك النزع لا للناس

حسن النسق، هنا، لأمرين بين فنين متضادين، في هذين البيتين، وهما المجون والزهد، حتى صارا كأنهما فن واحد.


١ ادّرع: لبس الدرع. الأسل: الرماح.

<<  <  ج: ص:  >  >>