للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الانسجام في الشعر]

انتهى ما أوردته من الانسجام المنثور، وأما الانسجام في النظم، قد تقدم وتقرر أن أصحاب المذهب الغرامي هم سكان بيوته العامرة، وكناس١ آرامه التي هي غير نافرة. ولكن العرب على كل تقدير ملوك هذا الشأن، وقلائد هذا العقيان. وقد عنَّ لي أن أذكر، هنا، ما فرّوا به من وعر التركيب وشروعه في أبياتهم على سهل الانسجام، وأركض في أثر هذه الأبيات بسوابق الفحول، فإنها أبيات لها حرمة وذمام، وأعرّج بعد ذلك على البيوت الغرامية، وأتنسم أخبار الهوى من بين تلك الخيام، فمن الانسجام الذي وقع للعرب، وكاد أن يسيل رقة لسهولته، قول امرئ القيس في معلقته:

أغرَّك مني أن حبك قاتلي ... وأنك مهما تأمري القلب يفعل

وقوله من غير المعلقة:

أجارتنا إنا غريبان ههنا ... وكل غريب للغريب نسيب

ومثله، في الانسجام والرقة، قول طرفة بن العبد في معلقته:

فإن كنت لا تستطيع دفع منيتي ... فدعني أبادرها بما ملكت يدي٢

ومثله قوله منها:

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ... على الحر من وقع الحسام المهند٣

ومثله قوله منها:

فإن مت فانعيني بما أنا أهله ... وشقي عليَّ الجيب يا أم معبد٤


١الكناس: بيت الرئم.
٢ دفع: ردّ، بادر: واجه.
٣ مضاضة: إيلامًا.
٤ اذكري موتي بما أستحقه. وشقي عليَّ الجيب: أي اندبيني، من الندبة، وشق الجيب علامة الحزن.

<<  <  ج: ص:  >  >>