للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلقاه مثلي رقة ونحافة ... ولأجل قلبك لا أقول عليلا

فهو الرسول إليك مني ليتني ... كنت اتخذت مع الرسول سبيلا

خطاب مثل هذا الولد لمثل هذا الوالد، بقوله: ولأجل قلبك لا أقول عليلا، فيه ما يفتت الأكباد، ويحرك الجماد، سبحان المانح! إن من البيان لحسرا.

ومن غراميات والده القاضي محي الدين، في باب الانسجام:

لا آخذ الله بندك ... فكم وشى بي عندك

وقال عني بأني ... شبهت بالغصن قدَّك

وأنت تعظم عندي ... أن يمسي البدر عبدك

وليست والله أرضى ... أن يحكيَ الورد خدَّك

فقاتل الله طرفي ... فكم به نلت قصدك

ولا ر عى الله قلبي ... فكم رعى لك عهدك

فمن ترى أنا حتى ... جعلت صدري وكدك١

وما عشقتك وحدي ... بل عشقتك وحدك

وكم أطعتك جهدي ... وكم تجنيت جهدك

وبعد هذا وهذا ... وذاك لا ذقت فقدك

ويعجبني في هذا الباب رشاقة ناصر الدين بن النقيب، بقوله:

سلك الشوق بقلبي ... بعدكم صعب المسالك

ورمى قلبي بنيرا ... ن ولا نيران مالك

هذه بعض صفاتي ... طالع العبدَ بذلك

وأظرف ما رأيت في باب الانسجام الغرامي المرتجل، ما أورده صاحب "روضة الجليس ونزهة الأنيس" ذكر أنه كان بأفريقية رجل نبيه شاعر مفلق، وكان يهوى غلامًا من غلمانها جميلًا، فاشتد كلفه به، وكان الغلام يتجنى عليه ويعرض عنه كثيرًا، فانفرد بنفسه ليلة جمع فيها من سلاف الراح وسلاف الذكر، فتزايد به الوجد وقام على الفور، وقد غلب عليه السكر، مشى إلى أن انتهى إلى باب محبوبه ومعه قبس نار، فوضعه عند باب الغلام، فلما دارت النار بالباب بادر الناس بإطفائها واعتقلوه، فلما أصبحوا نهضوا به إلى القاضي فأعلموه بفعله. فقال له القاضي: لأي شيء أحرقت باب هذا الغلام؟ فقال مرتجلًا:


١ جعله وكده: أي جعله همه وقرر أن ينفذ شيئًا حياله.

<<  <  ج: ص:  >  >>