للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَوْجَبَ عَلَى الضَّارِبِ الْغُرَّةَ وُجُوبَ الضَّمَانِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْحَيِّ دُونَ الْمَيِّتِ، فَإِذَا حَكَمْنَا بِالْجِنَايَةِ كَانَ لَهُ الْمِيرَاثُ وَيُورَثُ عَنْهُ نَصِيبُهُ، كَمَا يُورث عَنهُ بدل نَفسه وَهُوَ الْغرَّة اهـ.

أَقُولُ: فَقَدْ جَعَلُوهُ وَارِثًا وَمَوْرُوثًا، وَهُوَ جَنِينٌ قَبْلَ انْفِصَالِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ حِينَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا فَلَمْ يُوجَدْ الْمَانِعُ حِينَ اسْتِحْقَاقِهِ الْإِرْثَ وَإِنَّمَا وُجِدَ بَعْدَهُ، فَكَانَ كَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ الْكَافِرِ، فَلَمْ يَكُنْ فِي الْحَقِيقَةِ إرْثٌ مُسْلِمٍ مِنْ كَافِرٍ بَلْ هُوَ إرْثُ كَافِرٍ مِنْ كَافِرٍ، نَعَمْ يُتَصَوَّرُ عِنْدَنَا إرْثُ الْمُسْلِمِ مِنْ الْكَافِرِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُرْتَدِّ.

قَوْلُهُ: (وَالرَّابِعُ اخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ) اخْتِلَافُهُمَا بِاخْتِلَافِ الْمَنَعَةِ: أَيْ الْعَسْكَرِيِّ، وَاخْتِلَافُ الْمِلْكِ كَأَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْمِلْكَيْنِ فِي الْهِنْدِ وَلَهُ دَارٌ وَمَنَعَةٌ، وَالْآخَرُ فِي التُّرْكِ وَلَهُ دَارٌ وَمَنَعَةٌ أُخْرَى، وَانْقَطَعَتْ لِلْعِصْمَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، حَتَّى يَسْتَحِلَّ كُلٌّ مِنْهُم قتال الآخر، فهاتان لداران مُخْتَلِفَتَانِ فتنقطع باختلافهما الوراثة لانهما تُبْتَنَى عَلَى الْعِصْمَةِ وَالْوِلَايَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا تَنَاصُرٌ وَتَعَاوُنٌ عَلَى أَعْدَائِهِمَا كَانَتْ الدَّارُ وَاحِدَةً وَالْوِرَاثَةُ ثَابِتَةً.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ إمَّا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، كَالْحَرْبِيِّ وَالذِّمِّيِّ وَكَالْحَرْبِيِّينَ فِي دَارَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ (١) بِالْمَعْنَى السَّابِقِ، وَإِمَّا حُكْمًا فَقَط كالمستأمن وَالذِّمِّيّ فِي دَارِنَا، فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهَا مُخْتَلِفَةً حُكْمًا، لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ حُكْمًا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الرُّجُوعِ إلَيْهَا، وَأَمَّا حَقِيقَةً فَقَطْ كَمُسْتَأْمَنٍ فِي دَارِنَا حَرْبِيّ وَفِي دَارِهِمْ، فَإِنَّ الدَّارَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ حَقِيقَةً لَكِنْ الْمُسْتَأْمَنُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ حُكْمًا كَمَا عَلِمْت، فَهُمَا مُتَّحِدَانِ حُكْمًا، وَفِي هَذَا الْأَخِيرِ يَدْفَعُ مَالَ الْمُسْتَأْمَنِ لِوَارِثِهِ الْحَرْبِيِّ لِبَقَاءِ حُكْمِ الْأَمَانِ فِي مَالِهِ لِحَقِّهِ، وَإِيصَالُ مَالِهِ لِوَرَثَتِهِ مِنْ حَقِّهِ كَمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ فَيَمْنَعُ ذَلِكَ صَرْفَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ لِمُصَنِّفِهَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَسَكْبِ الْأَنْهُرِ.

أَقُولُ: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الِاخْتِلَافُ حُكْمًا، سَوَاءٌ كَانَ حَقِيقَةً أَيْضًا أَوْ لَا، دُونَ الِاخْتِلَافِ حَقِيقَةً فَقَطْ، وَهَذَا مَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: الْمُؤَثِّرُ هُوَ الِاخْتِلَافُ حكما حَتَّى لَا تعْتَبر الْحَقِيقَة بِدُونِهِ اهـ.

قَوْلُهُ: (حَقِيقَةً) يَعْنِي وَحُكْمًا لِمَا عَلِمْت.

قَوْلُهُ: (كَحَرْبِيٍّ وَذِمِّيٍّ) أَيْ إذَا مَاتَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَهُ وَارِثٌ ذِمِّيٌّ فِي دَارِنَا، أَوْ مَاتَ الذِّمِّيُّ فِي دَارِنَا وَلَهُ وَارِثٌ فِي دَارِهِمْ لَمْ يَرِثْ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخِرِ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَإِنْ اتَّحِدَا مِلَّةً.

قَوْلُهُ: (أَوْ حُكْمًا) أَيْ فَقَطْ.

قَوْلُهُ: (وَكَحَرْبِيِّينَ إلَخْ) كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ، وَفِيهِ أَنَّهُ مِنْ اخْتِلَافِ الدَّارِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ دَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ حَقِيقَةً، لَكِنَّهُمَا مُسْتَأْمَنَانِ فِي دَارِنَا فَهُمَا فِي دَار وَاحِدَة حَقِيقَة وَفِي دارين مختلفتين حُكْمًا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ

دَارَيْنِ لَا فِي دَارَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الْمُسْتَأْمَنِينَ بَدَلَ الْحَرْبِيَّيْنِ، وَكَأَنَّهُ تَرَكَ هَذَا الْأَوْلَى إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ جَعْلُهُ مِثَالًا لِلِاخْتِلَافَيْنِ.

أَفَادَهُ السَّيِّد وتماه فِيهِ.

قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْمُسْلِمِينَ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ فِيمَا بَيْنَ الْكُفَّارِ: أَيْ اخْتِلَافُ الدَّارِ لَا يُؤَثِّرُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ، حَتَّى أَن الْمُسلم التَّاجِر


(١)
قَوْله: (مُخْتَلفين) لاحظ أَولا إِن الدَّار مؤنث فأنث نعتها فِي قَوْله دارين مختلفتين وَأما تذكر النَّعْت فِي الْعِمَارَة الاتية فَهُوَ من كَلَام السَّيِّد وَمثله عبارَة الشَّارِح لَكِن لَيْسَ نظرا لمجازية التَّأْنِيث بل نظرا للمراد أَو هُوَ الْمنزل كَمَا نبه على مثله فِي خَاتِمَة الْمِصْبَاح فليفهم بالدقة قَالَه نصر الهورينى.

<<  <  ج: ص:  >  >>