والاصل لابي حنيفَة أَن قسْمَة الْعين مَتى كَانَت بِحَق ثَابت فِي الذِّمَّة أَو بِحَق ثَبت فِي الْعين
على وَجه الشُّيُوع فِي الْبَعْض دون الْكل كَانَت الْقِسْمَة عولية، وَمَتى وَجب قسْمَة الْعين بِحَق ثَبت على وَجه التَّمْيِيز أَو كَانَ حق أَحدهمَا فِي الْبَعْض الشَّائِع وَحقّ الآخر فِي الْكل كَانَت الْقِسْمَة نزاعية.
وَالْمعْنَى فِيهِ أَن الْحُقُوق مَتى وَجَبت فِي الذِّمَّة فقد اسْتَوَت فِي الْقُوَّة، لَان الذِّمَّة متسعة فَيضْرب كل وَاحِد مِنْهُمَا بِجَمِيعِ حَقه فِي الْعين وَكَذَا إِذا كَانَ حق كل وَاحِد فِي الْعين، لَكِن فِي الْجُزْء الشَّائِع فقد اسْتَوَت فِي الْقُوَّة، لَان مَا من جُزْء ثَبت فِيهِ حق أَحدهمَا إِلَّا وَللْآخر أَن يزاحمه فَكَانَت الْحُقُوق مستوية فِي الْقُوَّة.
والاصل فِي قسْمَة الْعَوْل الْمِيرَاث كَمَا قَالَا، وثمة حق كل وَاحِد مِنْهُمَا ثَبت فِي الْبَعْض الشَّائِع.
وَإِذا ثَبت الحقان على وَجه التَّمْيِيز لم يكن فِي معنى الْمِيرَاث، وَكَذَا إِذا كَانَ حق أَحدهمَا فِي الْبَعْض الشَّائِع وَحقّ الآخر فِي الْكل لم يكن فِي معنى الْمِيرَاث، لَان صَاحب الْكل يزاحم صَاحب الْبَعْض فِي كل شئ، أما صَاحب الْبَعْض فَلَا يزاحم صَاحب الْكل فَلم يكن فِي معنى الْمِيرَاث، ولان حق كل وَاحِد مِنْهُمَا إِذا كَانَ فِي الْبَعْض الشَّائِع وَمَا يَأْخُذ كل وَاحِد مِنْهُمَا بِحكم الْقِسْمَة غير مُقَرر وَأَنه غير الشَّائِع كَانَ الْمَأْخُوذ بدل حَقه لَا أصل حَقه، فَيكون فِي معنى الْمِيرَاث والتركة الَّتِي اجْتمعت فِيهَا الدُّيُون.
وَفِي مسَائِل الْقِسْمَة إِنَّمَا وَجَبت بِحَق ثَابت فِي الذِّمَّة، لَان حق كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي مُوجب الجباية، وَمُوجب الْجِنَايَة يكون فِي الذِّمَّة فَكَانَت الْقِسْمَة فِيهَا عولية، فعلى هَذَا تخرج الْمسَائِل.
هَذَا إِذا لم يكن لَهَا ولد من الْمولى، فَإِن كَانَ لَهَا ولد من الْمولى يَرِثهُ فَلَا قصاص عَلَيْهَا بِدَم الْمولى، لَان الْوَلَد لَا يسْتَوْجب الْقصاص على وَالِديهِ، وَلِهَذَا لَو قتلت الْمَرْأَة وَلَدهَا لَا يجب عَلَيْهَا الْقصاص لَان الوالدة سَبَب لوُجُوده فَلَا يسْتَحق قَتلهَا، وَلِهَذَا لَا يُبَاح لَهُ قتل وَاحِد من أَبَوَيْهِ وَإِن كَانَ حَرْبِيّا أَو مُرْتَدا أَو زَانيا مُحصنا.
فَإِذا سقط حق وَلَدهَا سقط حق الْبَاقِي وانقلب الْكل مَالا، لَان الْقصاص تعذر اسْتِيفَاؤهُ لَا لِمَعْنى من جِهَة الْقَاتِل بل حكما من جِهَة الشَّرْع فَانْقَلَبَ الْكل مَالا، بِخِلَاف مَا تقدم، لَان ثمَّة الْعَافِي أسقط حق نَفسه فَلَا يَنْقَلِب نصِيبه مَالا.
فَإِن قيل: إِذا لم تكن هَذِه الْجِنَايَة مُوجبَة للْقصَاص عَلَيْهَا بِدَم الْمولى يَنْبَغِي أَن تكون هدرا كَمَا لَو قتلته خطأ.
قُلْنَا: الْجِنَايَة وَقعت مُوجبَة للْقصَاص، لانه يجب للمقتول وَالْمولى يسْتَوْجب الْقصاص على مَمْلُوكه، وَإِنَّمَا سقط الْقصاص ضَرُورَة الِانْتِقَال إِلَى الْوَارِث وَهِي حرَّة وَقت الِانْتِقَال فتنقلب مَالا
وتلزمها الْقيمَة دون الدِّيَة اعْتِبَارا بِحَالَة الْقَتْل.
هَذَا كمن قتل رجلا عمدا وَابْن الْقَاتِل وَارِث الْمَقْتُول كَانَ لِابْنِ الْمَقْتُول الدِّيَة على وَالِده الْقَاتِل كَذَلِك هُنَا، ولورثة الاجنبي الْقصاص كَمَا كَانَ، لَان حَقّهمَا يمتاز عَن حق وَرَثَة الْمولى فَكَانَ لَهما الْقصاص: وَإِن شاءا أخرا حَتَّى يُؤَدِّي الْقيمَة إِلَى وَرَثَة الْمولى، وَإِن شاءا عجلا الْقَتْل، لانهما لَو أخرا إِلَى أَن يُؤَدِّي السّعَايَة رُبمَا لَا يُؤَدِّي مَخَافَة الْقَتْل فَيبْطل حَقّهمَا فَكَانَ لَهما التَّعْجِيل، فَإِن عَفا أحد وليي الاجنبي وَجب للساكت مِنْهُمَا نصف الْقيمَة أَيْضا، وجنايات أم الْوَلَد وَإِن كثرت لَا توجب إِلَّا قيمَة وَاحِدَة فَصَارَت الْقيمَة مُشْتَركَة بَين وَرَثَة الْمولى ووارث الاجنبي.
ثمَّ عِنْد أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ تقسم قيمتهَا بَينهمَا أَثلَاثًا، وَعِنْدَهُمَا أَربَاعًا لما ذكرنَا، فَإِن كَانَت سعت فِي قيمتهَا لوَرَثَة الْمولى ثمَّ عَفا أحد وليي الاجنبي: إِن دفعت الْقيمَة إِلَى وَرَثَة الْمولى بِقَضَاء القَاضِي لَا سَبِيل لوَارث الاجنبي عَلَيْهَا لَان الْوَاجِب عَلَيْهَا قيمَة وَاحِدَة وَقد أدَّت بِقَضَاء القَاضِي