للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

عَن نور الْعين من قَوْله: مَرِيض عَلَيْهِ دين مُحِيط بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ مُضَارَبَةٍ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ وَارِثِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ، لِأَنَّ الْوَارِثَ لَوْ ادَّعَى رَدَّ الْأَمَانَةِ إلَى مُوَرِّثِهِ الْمَرِيضِ وَكذبه الْمُورث يقبل قَول الْوَارِث اهـ.

فقد تبين لَك أَنه لَيْسَ المُرَاد إِقْرَاره بأمانة عِنْده لوَارِثه، بل المُرَاد مَا قُلْنَا فَتنبه لذَلِك، فَإِنِّي رَأَيْت من يُخطئ فِي ذَلِك مَعَ أَن النقول صَرِيحَة بِأَن إِقْرَاره لوَارِثه بِعَين غير صَحِيح كَمَا مر، ثمَّ إِن مَا ذكره فِي الاشباه من اسْتثِْنَاء الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة الظَّاهِر أَنه يَسْتَغْنِي عَنهُ بِالثَّانِيَةِ، لَان الْمَرِيض إِذا كَانَ لَهُ دين على أَجْنَبِي فَوكل الْمَرِيض وَارثه بِقَبض الدّين الْمَذْكُور فَقَبضهُ صَار ذَلِك الَّذين أَمَانَة فِي يَد الْوَارِث، فَإِذا أقرّ

بِقَبْضِهِ مِنْهُ فقد أقرّ لَهُ بِقَبض مَا كَانَ لَهُ أَمَانَة عِنْده، لَان المَال فِي يَد الْوَكِيل أَمَانَة.

تَأمل.

وَقد ذكر فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ صُورَة الْمَسْأَلَة الاولى من الْمسَائِل الثَّلَاث فَقَالَ: صُورَتَهَا أَوْدَعَ أَبَاهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي مَرَضِ الْأَبِ أَوْ صِحَّتِهِ عِنْدَ الشُّهُودِ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَقَرَّ بِإِهْلَاكِهِ صُدِّقَ، إذْ لَوْ سَكَتَ وَمَات وَلَا يدْرِي مَا صنع كَانَت فِي مَاله، فَإِذا أقرّ بإتلافه فَأولى اهـ.

قَوْله عِنْد الشُّهُود قيد بِهِ لتَكون الْوَدِيعَة معرفَة بِغَيْر إِقْرَاره، وَلِهَذَا قيد فِي الاشباه بقوله الْمَعْرُوفَة، فَيدل على أَنه لَو أقرّ بإهلاك وَدِيعَة لوَارِثه وَلَا بَيِّنَة على الايداع لَا يقبل قَوْله، وَبِه تعلم مَا فِي عبارَة المُصَنّف وَالشَّارِح من الْخلَل حَيْثُ قَالَ: بِخِلَافِ إقْرَارِهِ لَهُ: أَيْ لِوَارِثِهِ بِوَدِيعَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ فَإِنَّهُ جَائِز.

وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: كَانَتْ عِنْدِي وَدِيعَةٌ لِهَذَا الْوَارِث فاستهلكتها.

جَوْهَرَة اهـ.

فَإِنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ أَن يَقُول: بِخِلَاف إِقْرَاره لَهُ باستهلاك وَدِيعَة معرفَة فَإِنَّهُ جَائِز فاغتنم ذَلِك.

قَوْله: (كَمَا بَسطه فِي الاشباه الخ) أَقُول: وَقد خَالفه عُلَمَاء عصره، وأفتوا بِعَدَمِ الصِّحَّة كَمَا علمت.

وَقد كتب الْعَلامَة الْحَمَوِيّ فِي حَاشِيَة الاشباه فِي الرَّد على عبارتها فَقَالَ: كل مَا أَتَى بِهِ المُصَنّف: أَي صَاحب الاشباه لَا يشْهد لَهُ مَعَ تصريحهم بِأَن إِقْرَاره بِعَين فِي يَده لوَارِثه لَا يَصح، وَلَا شكّ أَن الامتعة الَّتِي بيد الْبِنْت ملكهَا فِيهَا ظَاهر بِالْيَدِ، فَإِذا قَالَت هِيَ ملك أبي لَا حق لي فِيهَا، فَيكون إِقْرَارا بِالْعينِ للْوَارِث، بِخِلَاف قَوْله لم يكن لي عَلَيْهِ شئ أَو لَا حق لي عَلَيْهِ أَو لَيْسَ لي عَلَيْهِ شئ وَنَحْوه من صُورَة النَّفْي لتمسك النَّافِي فِيهِ بالاصل، فَكيف يسْتَدلّ بِهِ على مدعاه ويجعله صَرِيحًا فِيهِ.

وَذكر الشَّيْخ صَالح فِي حَاشِيَته على الاشباه متعقبا لصَاحِبهَا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مَا نَصه: أَقُول: مَا ذكره المُصَنّف هُنَا لَا يخرج عَن كَونه إِقْرَارا للْوَارِث بِالْعينِ، وَهُوَ غير صَحِيح، وَبِه أفتى شيخ الاسلام أَمِين الدّين، وَلَيْسَ هَذَا دَاخِلا تَحت صور النَّفْي الَّتِي ذكرهَا مستدلا بهَا.

وَقَالَ أَخُو الْمُؤلف الشَّيْخ عمر بن نجيم: لَا يخفى مَا فِي إِقْرَارهَا من التُّهْمَة خُصُوصا إِذا كَانَ بَينهَا وَبَين زَوجهَا خُصُومَة كتزوجه عَلَيْهَا.

وَقَالَ البيري: الصَّوَابُ أَنَّ ذَلِكَ إقْرَارٌ لِلْوَارِثِ بِالْعَيْنِ بِصِيغَةِ النَّفْي، وَلَا نزاع فِي عدم صِحَة ذَلِك للْوَارِث فِي مرض الْمَوْت، وَمَا اسْتندَ لَهُ المُصَنّف مَفْرُوض فِي إِقْرَار بِصِيغَة النَّفْي فِي دين لَا فِي عين، وَالدّين وصف قَائِم بِالذِّمةِ وَإِنَّمَا يصير مَالا بِاعْتِبَار قَبضه اهـ.

وَقَول المُصَنّف: وَلَيْسَ هَذَا من

قبيل الاقرار للْوَارِث فِيهِ نظر.

قَوْلُهُ: (أَوْ مَعَ أَجْنَبِيٍّ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: أَقَرَّ لِوَارِثِهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ بِدَيْنٍ مُشْتَرَكٍ بَطَلَ إقْرَارُهُ عِنْدَهُمَا تَصَادَقَا فِي الشَّرِكَةِ أَوْ تَكَاذَبَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لِلْأَجْنَبِيِّ بِحِصَّتِهِ لَوْ أَنْكَرَ الْأَجْنَبِيُّ الشَّرِكَةَ، وَبِالْعَكْسِ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَال: إِنَّه على اخْتِلَاف، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ

<<  <  ج: ص:  >  >>