للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْحَمَوِيّ: وَفِيه تَأمل.

وَجهه أَن بَين ثَمَرَة البستاني وريع الْوَقْف فرقا، وَهُوَ أَن الثَّمَرَة عين مَوْجُودَة يُمكن قسمتهَا وتناولها، فالاقرار بِهِ للْغَيْر يحمل على التَّمْلِيك بطرِيق البيع وَهُوَ صَحِيح مُطلقًا، وَجعلهَا للْغَيْر تمْلِيك لَا بطرِيق البيع بل بطرِيق الْهِبَة، وَهبة الْمشَاع قبل قسمته بَاطِلَة.

وَأما ريع الْوَقْف فَهُوَ مَا يخرج مِنْهُ من أُجْرَة وَغَيرهَا، فالاقرار بهَا للْغَيْر لَا يكون بطرِيق البيع.

قَوْله: (وَلَو جعله لغيره) بِأَن انشأ الْجعل من غير إِسْقَاط لتحسن الْمُقَابلَة بَينه وَبَين.

قَوْله أَو أسْقطه الخ لانه إِسْقَاط لمجهول فَلَا يسْقط حَقه.

قَوْله: (لم يَصح) أَي لَا يَصح أَن يَصِيرُ لِغَيْرِهِ، لِأَنَّ تَصْحِيحَ الْإِقْرَارِ إنَّمَا هُوَ مُعَامَلَةٌ لَهُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ ظَاهِرُ الْحَالِ تَصْدِيقًا لَهُ فِي إخْبَارِهِ مَعَ إِمْكَان تَصْحِيحه حملا أَنَّ الْوَاقِفَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ ذَلِكَ لِلْمُقَرِّ لَهُ كَمَا مَرَّ.

أَمَّا إذَا قَالَ الْمَشْرُوطُ لَهُ الْغَلَّةُ أَوْ النَّظَرُ جَعَلْتُ ذَلِكَ لِفُلَانٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إنْشَاءِ ذَلِكَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَفَرْقٌ بَيْنَ الْإِخْبَارِ وَالْإِنْشَاءِ.

نَعَمْ لَوْ جَعَلَ النَّظَرَ لِغَيْرِهِ فِي مرض مَوته يَصح إِذا لَمْ يُخَالِفْ شَرْطَ الْوَاقِفِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ وَصِيًّا عَنْهُ، وَكَذَا لَوْ فَرَغَ عَنْهُ لِغَيْرِهِ وَقَرَّرَ الْقَاضِي ذَلِكَ الْغَيْرَ يَصِحُّ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ، وَالْفَرَاغُ عَزْلٌ، وَلَا يَصِيرُ الْمَفْرُوغُ لَهُ نَاظِرًا بِمُجَرَّدِ الْفَرَاغِ بَلْ لَا بُدَّ من تَقْرِير القَاضِي كَمَا تحرر سَابِقًا، فَإِذا قرر القَاضِي المفروغ لَهُ صَار نَاظرا بالتقدير لَا بِمُجَرَّدِ الْفَرَاغِ، وَهَذَا غَيْرُ الْجَعْلِ الْمَذْكُورِ هُنَا، فَافْهَمْ.

وَأَمَّا جَعْلُ الرَّيْعِ لِغَيْرِهِ فَقَالَ ط: إِن كَانَ الْجعل بِمَعْنى التَّبَرُّع لغيره بِأَن يُوكله ليقبضه ثُمَّ يَأْخُذَهُ لِنَفْسِهِ فَلَا شُبْهَةَ فِي صِحَّةِ التَّبَرُّعِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْإِسْقَاطِ فَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: إنَّ الِاسْتِحْقَاقَ الْمَشْرُوطَ كَإِرْثٍ لَا يسْقط بالاسقاط اهـ.

قُلْت: مَا عَزَاهُ لِلْخَانِيَّةِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِثُبُوتِهِ فَرَاجِعْهَا.

نَعَمْ الْمَنْقُولُ فِي الْخَانِيَّةِ مَا سَيَأْتِي، وَقَدْ فَرَّقَ فِي

الْأَشْبَاهِ فِي بَحْثِ مَا يَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ مِنْ الْحُقُوقِ بَيْنَ إسْقَاطِهِ لِمُعَيَّنٍ ولغير مُعَيَّنٍ، وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي جُمْلَةِ مَسَائِلَ كَثُرَ السُّؤَالُ عَنْهَا وَلَمْ يَجِدْ فِيهَا نَقْلًا فَقَالَ: إِذا أسقط الْمَشْرُوط لَهُ الرَّيْعُ حَقَّهُ لَا لِأَحَدٍ لَا يَسْقُطُ كَمَا فَهِمَهُ الطَّرَسُوسِيُّ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْقَطَ حَقه لغيره انْتهى: أَيْ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ، لَكِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ مُطْلَقًا فِي رِسَالَتِهِ الْمُؤَلَّفَةِ فِي بَيَانِ مَا يَسْقُطُ مِنْ الْحُقُوقِ وَمَا لَا يَسْقُطُ أَخْذًا مِمَّا فِي شَهَادَاتِ الْخَانِيَّةِ: مَنْ كَانَ فَقِيرًا مِنْ أَصْحَابِ الْمَدْرَسَةِ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا لِلْوَقْفِ اسْتِحْقَاقًا لَا يَبْطُلُ بِإِبْطَالِهِ، فَلَوْ قَالَ أَبْطَلْت حَقي كَانَ لَهُ أَن يَأْخُذهُ انْتهى.

قُلْت: لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ إسْقَاطٌ لَا لِأَحَدٍ.

نَعَمْ يَنْبَغِي عَدَمُ الْفَرْقِ إذْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الرَّيْعُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ، فَإِذَا قَالَ أَسْقَطْتُ حَقِّي مِنْهُ لِفُلَانٍ أَوْ جَعَلْتُهُ لَهُ يَكُونُ مُخَالِفًا لِشَرْطِ الْوَاقِفِ حَيْثُ أَدْخَلَ فِي وَقْفِهِ مَا لَمْ يَرْضَهُ الْوَاقِفُ لِأَنَّ هَذَا إنْشَاءُ اسْتِحْقَاقٍ، بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ فُلَانٌ فَإِنَّهُ إخْبَارٌ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ كَمَا مَرَّ.

ثُمَّ رَأَيْت الْخَيْرَ الرَّمْلِيَّ أَفْتَى بِذَلِكَ، وَقَالَ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي شَهَادَاتِ الْخَانِيَّةِ: وَهَذَا فِي وَقْفِ الْمَدْرَسَةِ فَكَيْفَ فِي الْوَقْفِ عَلَى الذُّرِّيَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى تَقْرِيرِ الْحَاكِمِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ فَأَشْبَهَ الْإِرْثَ فِي عَدَمِ قَبُولِهِ الْإِسْقَاطَ، وَقَدْ وَقَعَ لِبَعْضِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَلَامٌ يَجِبُ أَنْ يحذر انْتهى.

فَإِن قلت: إِذا أَقَرَّ الْمَشْرُوطُ لَهُ الرِّيعُ أَوْ بَعْضُهُ أَنَّهُ لَا حق لَهُ فِيهِ وَأَنه يسْتَحقّهُ فلَان هَل يسْقط

<<  <  ج: ص:  >  >>