للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

يَأْخُذُ مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ لَهُ، لِأَنَّ التَّرْكَ لَا يَزِيدُ عَلَى صَرِيحِ الْمُصَادَقَةِ، وَلِأَنَّ الْوَلَدَ لم يَتَمَلَّكهُ من أَبِيه وَإِنَّمَا تملكه من الْوَاقِف اهـ.

أَقُول: اغْترَّ كثيرا بِهَذَا الْإِطْلَاقِ وَأَفْتَوْا بِسُقُوطِ الْحَقِّ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ.

وَالْحَقُّ الصَّوَابُ أَنَّ السُّقُوطَ مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ يَعْرِفُهَا الْفَقِيهُ.

قَالَ الْعَلَّامَةُ الْكَبِيرُ الْخَصَّافُ: أَقَرَّ فَقَالَ غَلَّةُ هَذِهِ الصَّدَقَةِ لِفُلَانٍ دُونِي وَدُونَ النَّاسِ جَمِيعًا بِأَمْرٍ حَقٍّ وَاجِبٍ ثَابِتٍ لَازِمٍ عَرَفْتُهُ وَلِزَمَنِي الْإِقْرَارُ لَهُ بِذَلِكَ، قَالَ أُصَدِّقُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَأُلْزِمَ مَا أَقَرَّ بِهِ مَا دَامَ حَيا، فَإِذا مَاتَ ردَّتْ الْغَلَّةَ إلَى مَنْ جَعَلَهَا الْوَاقِفُ لَهُ، لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ ذَلِكَ جَعَلْتُهُ كَأَنَّ الْوَاقِفَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ ذَلِكَ لِلْمُقَرِّ لَهُ.

وَعَلَّلَهُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ لِجَوَازِ أَنَّ الْوَاقِفَ قَالَ إنَّ لَهُ أَنْ يَزِيدَ وَيَنْقُصَ وَأَنْ يَخْرُجَ وَأَنْ يُدْخِلَ

مَكَانَهُ مَنْ رَأَى فَيُصَدَّقُ زَيْدٌ عَلَى حَقِّهِ.

اهـ.

أَقُولُ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّ الْمُقِرَّ إنَّمَا أَقَرَّ بِذَلِكَ لِأَخْذِ شئ مِنْ الْمَالِ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ لِكَيْ يَسْتَبِدَّ بِالْوَقْفِ أَنَّ ذَلِكَ الْإِقْرَارَ غير مَعْمُول بِهِ، لِأَنَّهُ إقْرَارٌ خَالٍ عَمَّا يُوجِبُ تَصْحِيحَهُ مِمَّا قَالَه الامام الْخصاف وَهُوَ الاقرار فِي زَمَاننَا فَتَأَمّله، وَلَا حول وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ بِيرِيٌّ، أَيْ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ جَعَلَهُ لِغَيْرِهِ ابْتِدَاءً لَا يَصِحُّ كَمَا تقدم فِي الْوَقْف.

أَقُول: وَإِنَّمَا قَالَ أصدقه على نَفسه الخ لانه إِذا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى زَيْدٍ وَأَوْلَادِهِ وَنَسْلِهِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَأَقَرَّ زَيْدٌ بِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى هَذَا الرَّجُلِ لَا يُصَدَّقُ عَلَى وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ فِي إدْخَالِ النَّقْصِ عَلَيْهِمْ، بَلْ تُقْسَمُ الْغَلَّةُ عَلَى زَيْدٍ وَعَلَى مَنْ كَانَ مَوْجُودًا مِنْ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ، فَمَا أَصَابَ زَيْدًا مِنْهَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُقَرِّ لَهُ مَا دَامَ زَيْدٌ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ بَطَلَ إقْرَارُهُ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُقَرِّ لَهُ حَقٌّ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَأَقَرَّ زَيْدٌ بِهَذَا الْإِقْرَارِ لِهَذَا الرَّجُلِ شَارَكَهُ الرَّجُلُ فِي الْغَلَّةِ مَا دَامَ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ زيد كَانَت للْفُقَرَاء وَلم يصدق زيد عَلَيْهِم، وَإِنْ مَاتَ الرَّجُلُ الْمُقَرُّ لَهُ وَزَيْدٌ حَيٌّ فَنِصْفُ الْغَلَّةِ لِلْفُقَرَاءِ وَالنِّصْفُ لِزَيْدٍ، فَإِذَا مَاتَ زيد صَارَت الْغلَّة كلهَا للْفُقَرَاء.

اهـ.

خصاف مُلَخصا.

وَتَمام الْكَلَام على ذَلِك فِي التَّنْقِيح لسيدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى مَعَ فَوَائِد نفيسة، وَقد مر فِي الْوَقْف فَرَاجعه.

قَوْله: وَلَو كتاب الْوَقْف بِخِلَافِهِ حَمْلًا عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ رَجَعَ عَمَّا شَرَطَهُ وَشَرَطَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُقِرُّ ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ فِي بَاب مُسْتَقْبل.

أَشْبَاهٌ.

أَقُولُ: لَمْ أَرَ شَيْئًا مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْبَابِ، وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهِ مَا نَقَلَهُ الْبِيرِيُّ آنِفًا، وَلَيْسَ فِيهِ التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ رَجَعَ عَمَّا شَرَطَهُ، وَلِذَا قَالَ الْحَمَوِيُّ: إنَّهُ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْوَقْفَ إذَا لَزِمَ لَزِمَ مَا فِي ضِمْنِهِ مِنْ الشُّرُوطِ إلَّا أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ بِعَدَمِ لُزُومِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَيُحْمَلَ كَلَامه على وقف لم يسجل اهـ مُلَخَّصًا.

قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ عَنْ الدُّرَرِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ اتَّحَدَ الْوَاقِفُ وَالْجِهَةُ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ بَعْدَ ثُبُوتِ النَّقْلِ عَنْ الْخصاف وَالله تَعَالَى أعلم.

والاقرار بِاسْتِحْقَاق فلَان الرّيع لَا يسْتَلْزم الاقرار بِكَوْنِهِ هُوَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ حَقِيقَة كَمَا قد يتَوَهَّم، وَيصِح الاقرار مَعَ كَون الْمقر هُوَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ، أَلا ترى أَن الْوَقْف لَو كَانَ بستانا وَقد أثمر فَأقر

الْمَوْقُوف عَلَيْهِ بِأَن زيدا هُوَ الْمُسْتَحق لهَذِهِ الثَّمَرَة صَحَّ الاقرار بطرِيق أَنه بَاعه تِلْكَ الثَّمَرَة، أما جعلهَا لَهُ بطرِيق التَّمْلِيك فَلَا يملكهُ لكَونه تمْلِيك الثَّمر بِدُونِ الشّجر، إِذا الِاتِّصَال بِملك الْوَاهِب مخل بِالْقَبْضِ الَّذِي هُوَ شَرط تَمام التَّمْلِيك اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>