الوجه الثاني: ثبت أنه عليه الصلاة والسلام لم يتلفظ بالنية كما سبق وقد ذكرت أدلة ذلك تحت قولي ثانياً.
الوجه الثالث: إن المتلفظ بالنية يفعل ويداوم على فعل لم يفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولم يداوم عليه وهذا بدعة واضحة عند أهل العلم.
الوجه الرابع: لا مدخل للتلفظ بالنية في حصولها في القلب والتلفظ بها عبث والقصد أمر ضروري لفعل الفاعل:
لقد ظن القائلون بالاستحباب أن للتلفظ مدخلاً في تحصيل النية بأن يؤكد عزيمة القلب وهذا خطأ فإن القائل - إذا قال نويت صلاة الظهر أو نويت رفع الحدث - إما أن يكون مخبراً أو منشئاً فإن كان مخبراً فإما أن يكون إخباره لنفسه أو لغيره وكل ذلك عبث لا فائدة فيه، لأن الإخبار إنما يفيد إذا تضمن تعريف المخبر ما لم يكن عارفاً وهذا محال في إخباره لنفسه، وإن كان إخباراً لغيره بالنية فهو عبث محض وهو غير مشروع ولا مفيد وهو بمثابة إخباره بسائر أفعاله من صومه وصلاته وحجه وزكاته بل بمنزلة إخباره له عن إيمانه وحبه وبغضه بل قد يكون في هذه الأخبار فائدة وأما إخبار المأمومين أو الإمام بالنية فعبث محض.
ولا يصح أن يكون ذلك إنشاءً فإن اللفظ لا ينشئ وجود النية وإنما إنشاؤها إحضار حقيقتها في القلب لا إنشاء اللفظ الدال عليها.
والذي يوجد حقيقتها في القلب العلم الذي يتقدمها ويسبقها فالنية تتبع العلم فمن علم ما يريد فعله لا بد أن ينويه ضرورة كمن قدم بين يديه طعام ليأكله فإذا علم أنه يريد الأكل فلا بد أن ينويه وكذلك الركوب وغيره.
ولو كلف العباد أن يعملوا بغير نية كلفوا ما لا يطيقون فإن كل أحد إذا أراد أن يعمل عملاً مشروعاً أو غير مشروع فعلمه سابق إلى قلبه وذلك هو النية وإذا علم الإنسان أنه يريد صلاة أو صوماً أو طهارة فلا بد أن ينويه - إذا علمه - ضرورة وإنما يتصور عدم