للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنده لسان وعنده بيان وحجة وقوة جدل، والثاني دون ذلك وإن كان الحق معه، فيحكم القاضي للأول، ولهذا قال: " وإنما أٌقضي بنحو ما أسمع" وفي قوله: " أقضي بنحو ما أسمع" فسحة كبيرة للقضاة، وأنهم لا يكلفون بشيء غاب عنهم، بل يقضون حسب البيانات التي بين أيديهم، فإن أخطئوا فلهم أجر، وأن أصابوا فلهم أجران، ولا يكلفون ما وراء ذلك، بل ولا يحل لهم أن يحكموا بخلاف الظاهر؛ لأنهم لو حكموا بخلاف الظاهر لأدى ذلك إلى الفوضى، وأدى ذلك إلى الاشتباه وإلى التهمة، ولقيل القاضي يحكم بخلاف الظاهر لسبب من الأسباب.

لهذا كان الواجب على القاضي أن يحكم بالظاهر، والباطن يتولاه الله عزّ وجلّ، فلو ادّعى شخص على آخر بمائة ريال وأتى المدعي بشهود اثنين، فعلى القاضي أن يحكم بثبوت المائة في ذمة المدعى عليه، وإن كان يشتبه في الشهود، إلا أنه في حال الاشتباه يجب أن يتحرى، لكن إذا لم يوجد قدح ظاهر فإنه يجب عليه أن يحكم، وإن غلب على ظنه أن الأمر بخلاف ذلك، لقوله: " إنما أقضي بنحو ما أسمع".

ولكن النبي صلى الله عليه وسلم توعد من قُضي له بغير حق فقال: " فمن قضيت له بحق اخيه فإنما أقطع له قطعة من النار" يعني أن حُكم الحاكم لا يبيح الحرام، فلو أن الحاكم حكم للمبطل بمقتضى ظاهر الدعوى، فإن ذلك لا يحل له ما حكم له به، بل إنه يزداد إثماً، لأنه توصل إلى الباطل بطريق باطلة، فيكون أعظم ممن أخذه بغير هذه الطريق.

وفي هذا الحديث التحذير الشديد من حكم الحاكم بغير ما بين يديه

<<  <  ج: ص:  >  >>