[الشَّرْحُ]
قال المؤلف في كتابه & رياض الصالحين: باب فضل العتق العتق هو: تحرير الرقاب يعني أن يكون هناك إنسان مملوك فيأتي شخص فيعتقه ويحرره ابتغاء وجه الله عز وجل فهذا من أفضل الأعمال قال الله تعالى: فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة.
اقتحم العقبة يعني رأس صعدها على مشقة والعقبة هي الطريق المرتفع ومعلوم أن اقتحام العقبات صعب وشاق وكذلك إعتاق الرقاب صعب على النفوس لأن فيه إخراج المملوك عن ملكه وهو شاق وقوله: {فك رقبة} يشمل العتق ويشمل فك الأسير من العدو فإن هذا من فك الرقاب ففي الآية دليل على فضيلة العتق ثم ذكر المؤلف ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من أعتق عبدا أعتق الله بكل عضو منه أي من العتيق عضوا منه أي من المعتق من النار حتى الفرج بالفرج يعني أنك إذا أعتقت عبدا أعتق الله كل بدنك من النار لأنك أعتقت هذا العبد من الرق فيعتقك الله تعالى من النار ثم ذكر فضل الإحسان إلى المملوك وصدر هذا بقوله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} اعبدوا الله يعني أطيعوا الله فعبادة الله هي طاعته بامتثال أمره واجتناب نهيه وهذا هو الذي خلق العباد من أجله قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} ما خلقنا الله لنأكل ونشرب ونلبس ونسكن ونتمتع لا هذه كلها وسائل الغاية هي العبادة {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} فمن لم يعبد الله أو عبد مع الله غيره أو لم يعبد أحدا فإنه أضاع دينه ودنياه لأنه أضاع ما خلق من أجله.
وقوله: {ولا تشركوا به شيئا} عام و {شيئا} مشرك به لأنه نكرة في سياق النهي فيكون عاما فلا تشرك بعبادة الله أحدا لا الرسول ولا جبريل ولا وليا من أولياء الله ولا صديقا ولا شهيدا لا تعبد إلا الله وحده لا تشرك به شيئا فمن أشرك بالله شيئا فإن كان شركا أكبر فقد قال الله في حقه: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} .
مثاله: أن يذهب إلى قبر ثم يسجد له أو يدعوه يقول: يا سيدي أغثني يا سيدي ارزقني ولدا ارزقني زوجة ارزقني مالا فهذا الشرك الأكبر مخرج من الملة حتى لو صام الإنسان وتصدق وصلى وقرأ القرآن وحج البيت وهو باق على هذا الشرك فإنه لا يدخل الجنة والجنة عليه حرام ومأواه النار وما للظالمين من أنصار لأنه أشرك بالله.
قوله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى ...
} ولم يذكر الله حق النبي صلى الله عليه وسلم مع أن حق الرسول أعظم من حق الوالدين يجب على الإنسان أن يحب الرسول صلى الله عليه وسلم أشد من حبه لنفسه ومن حبه لولده ومن حبه لوالده وحق الرسول فوق كل حقوق الخلق.
قال العلماء: لأن حق الرسول من حق الله لأن عبادة الله لا يمكن أن تقبل إلا باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحق الرسول داخل في ضمن حق الله عز وجل فمن لم يجرد العبادة لله إخلاصا وللرسول اتباعا فلا عبادة له ولهذا لم يذكر حق الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه داخل في حق الله.
وقوله: {وبالوالدين} يشمل الأم والأب {إحسانا} يعني أحسنوا للوالدين إحسانا إحسانا بالمال تعطهم من مالك إذا كانوا فقراء محتاجين أو غير فقراء ولكن تعطهم كمالا كماليات تتودد إليهما ومن الإحسان أن تخدمهما أرسلك أبوك إلى شيء اذهب قال: انتظر فلان انتظره قال: ائت لي بالحاجة الفلانية تأت له فتخدمهما بالمال وبالبدن وبالجاه أيضا لو كان الابن له جاه عند الناس أو عند الدولة وأبوه محتاج إلى جاهه فمن الإحسان أن يخدمه بجاهه وكذلك الأم فالإحسان هنا يشمل كل ما يعد إحسانا ويأتي بقية الكلام على الآية وما بعدها من الأحاديث.
[باب فضل المملوك الذي يؤدي حق الله وحق مواليه]
١٣٦٢ - عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أن العبد إذا نصح لسيده وأحسن عبادة الله فله أجره مرتين متفق عليه.
١٣٦٣ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: للعبد المملوك المصلح أجران والذي نفس أبي هريرة بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك متفق عليه.
١٣٦٤ - وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المملوك الذي يحسن عبادة ربه ويؤدي إلى سيده الذي عليه من الحق والنصيحة والطاعة له أجران رواه البخاري.
١٣٦٥ - وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه ورجل كانت له أمة فأدها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران متفق عليه.
[الشَّرْحُ]
هذا الباب عقده المؤلف في كتابه رياض الصالحين في باب فضل العتق ليبين ما جاءت به الأحاديث أن المملوك إذا قام بحق الله وحق سيده كان له الأجر مرتين الأجر الأول لقيامه بحق الله والثاني: لقيامه بحق سيده لأن لله عليه حقا كالصلوات والصيام وغيرهما من العبادات التي ليست مبنية على أمر مالي وللسيد عليه حق وهو القيام بخدمته وما إلى ذلك فإذا قام بالحقين صار له أجران.
وكذلك في الحديث الأخير ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن ثلاثة لهم الأجر مرتين: رجل من أهل الكتاب اليهود والنصارى يعني كان يهوديا أو نصرانيا ثم آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم فهذا له الأجر مرتين الأجر الأول إيمانه برسوله والثاني إيمانه بمحمد صلى الله عليه وسلم وليعلم أن اليهود والنصارى إذا بلغتهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فلم يؤمنوا به حبطت أعمالهم حتى أعمالهم التي يتدينون بها في ملتهم حابطة غير مقبولة لقول الله تعالى: ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين أما الثاني: فهو العبد المملوك الذي قام بحق سيده وحق الله عز وجل أما الثالث: فرجل عنده أمة أدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها وتزوجها فله الأجر مرتين المرة الأولى لإحسانه إليها وهي رقيقة مملوكة والأجر الثاني لإحسانه إليها بعد أن أعتقها لم يضيعها بل تزوجها وكفها وأحصن فرجها والله الموفق.