تواصلون، قال ذلك تنكيلاً لهم، حتى يعرفوا ألم الجوع والعطش، ويكفوا عن الوصال من أنفسهم.
الحاصل أنه نهاهم عن الوصال رحمة بهم. فقالوا: إنك تواصل ونحن نقتدي بك. فقال:" إني لست كهيئتكم إني يطعمني ربي ويسقينى" يعني أنه عليه الصلاة والسلام ليس كالأمة، بل هو يبيت عند ربه يطعمه ويسقيه، ومعنى ذلك أنه عليه الصلاة والسلام يتهجد بالليل، ويخلو بالله عزّ وجلّ بذكره، وقراءة كلامه، وغير ذلك مما يغنيه عن الأكل والشرب، لأن الإنسان إذا اشتغل بالشيء نسي الأكل والشرب، خصوصاً إذا كان الشيء مما يحبه ويرضاه، ولهذا قال الشاعر في محبوبته:
لها أحاديث من ذكراك تشعلها
عن الشراب وتلهيها عن الزاد
يعني أنها إذا قعدت تتحدث عن هذا الرجل تكثر من ذكره حتى يلهيها ذلك عن الطعام والشراب، وهو أمر واقع واضح. حتى إن الإنسان قد يكون في الأشغال يشتغل بها، فيلهو عن الأكل والشرب، مثل طالب العلم الذي يكون منهوماً بالعلم شغوفاً به، ربما يبقى ي مكتبته يطالع من الصباح إلى المساء، فينسى الأكل والشرب، ينسى الغداء والعشاء، وربما ينسي النوم، وكذلك طالب الدنيا منهوم لا يشبع، ربما يبقى في دفاتره وحساباته فينشغل عن الأكل والشرب.
ويذكر أن رجلاً غنياً كان يشتغل بحساباته وبكتاباته وماله وله زوجة، وكان له جار فقير متزوج، وكانوا يشعرون بأن هذا الجار الفقير يعاشر