يرحمك الله، فكيف تقول: يهدينا ويهديكم الله، فتدعو لنفسك قبله، نعم لو قال: يرحمنا ويرحمك الله، فقل: يهدينا ويهديكم الله، لكنه قال: يرحمك الله كما أمر، فأنت اجبه كما أمرت؛ فقل يهديكم الله ويصلح بالكم.
وذكر أن اليهود كانوا يتعاطسون عند النبي عليه الصلاة والسلام - يعني يتكلفون العطاس من أجل أن يقول لهم: يرحمكم الله، لأنهم يعلمون أنه نبي وأن دعاه بالرحمة قد ينفعهم، ولكنه لا ينفعهم؛ لأن الكفار لو دعوت لهم بالرحمة لا ينفعهم ذلك، بل لا يحل لك أن تدعو لهم بالرحمة إذا ماتوا ولا بالمغفرة، لقول الله تعالى:(مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)(التوبة: ١١٣) .
فإن قيل: اليس إبراهيم استغفر لأبيه، وإبراهيم على الحنيفية وعلى التوحيد؟ هذا الجواب يتضح في قول الله تعالى:(وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ)(التوبة: ١١٤) .
فهذه الحقوق التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم كلها إذا قام بها الناس بعضهم مع بعض، حصل بذلك الألفة والمودة وزال ما في القلوب والنفوس من الضغائن والأحقاد.