للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعلت أسيافنا بعدو الله ما فعلت يعني: يريدون أنهم لم يشفوا أنفسهم مما فعل بهم أسيادهم من قريش، الذين كانوا يعذبونهم ويؤذونهم في دين الله عز وجل، فكأن أبا بكر رضي الله عنه لامهم على ذلك، وقال: أتقولون لسيد قريش مثل هذا الكلام.

ثم إن أبا بكر أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال له: ((لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك)) ، يعني أغضبت هؤلاء النفر ـ مع أنهم من الموالي وليسوا بشيء في عداد الناس وأشرافهم ـ لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك، فذهب أبو بكر رضي الله عنه إلى هؤلاء النفر وسألهم: آغضبتكم؟ فقالوا: لا، قال: يا إخوتاه، آغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أبا بكر.

فدل هذا على أنه لا يجوز للإنسان أن يترفع على الفقراء والمساكين ومن ليس لهم قيمة في المجتمع؛ لأن القيمة الحقيقية هي قيمة الإنسان عند الله، كما قال الله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات: ١٣] ، والذي ينبغي للإنسان أن يخفض جناحه للمؤمنين ولو كانوا غير ذي جاه؛ لأن هذا هو الذي أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم حيث قال: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الحجر: ٨٨] .

وفي هذا دليل على ورع أبي بكر رضي الله عنه، وعلى حرصه على إبراء ذمته، وأن الإنسان ينبغي له ـ بل يجب عليه ـ إذا اعتدى على أحد بقول أو فعل أو بأخذه مال أو سب أو شتم أن يستحله في الدنيا؛ قبل أن يأخذ ذلك منه في الآخرة؛ لأن الإنسان إذا لم يأخذ حقه في الدنيا فإنه يأخذه يوم القيامة، ويأخذ من أشرف شيء وأعز شيء على الإنسان يأخذه

<<  <  ج: ص:  >  >>