وأما ما ذكره في حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره)) يعني: إذا كان جارك يريد أن يسقف بيته ووضع الخشب على الجدار، فإنه لا يحل منعه؛ لأن وضع الخشب على الجدار لا يضر، بل يزيده قوة، ويمنع السيل منه، ولا سيما فيما سبق حيث كان البناء من اللبن، فإن الخشب يمنع هطول المطر على الجدار فيحميه، وهو أيضاً يشده ويقويه، ففيه مصلحة للجار، وفيه مصلحة للجدار، فلا يحل للجار أن يمنع جاره من وضع الخشب على جداره، وإن فعل ومنع؛ فإنه يجبر على أن يوضع الخشب رغماً عن أتفه.
ولهذا قال أبو هريرة: مالي أراكم عنها معرضين، والله لأرمين بها بين أكتافكم، يعني من لم يمكن من وضع الخشب على جداره وضعناه على متن جسده بين أكتافه، وقال هذا رضي الله عنه حينما كان أميراً على المؤمنين على المدينة في زمن مروان بن الحكم.
وهذا نظير ما قاله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في المشاجرة التي جرت بين محمد بن مسلمة وجاره، حيث أراد أن يجري الماء إلى بستانه وحال بينه وبينه بستان جاره، فمنعه الجار من أن يجري من على أرضه، فترافعا إلى عمر، فقال: والله لئن منعته لأجرينه على بطنك، وألزمه أن يجري الماء؛ لأن إجراء ليس فيه ضرر؛ لأن كل بستان زرع فإذا جرى الماء الساقي؛ انتفعت الأرض وانتفع ما حول الساقي من الزرع وانتفع الجار، نعم لو كان الجار يريد أن يبنيها بناءً وقال لا أريد أن يجري الماء على الأرض فله المنع، أما إذا كان يريد أن يزرعها فالماء لا يزيده إلا