ذكر المؤلف رحمه الله أحاديث في بيان الزهد في الدنيا، وأن النعيم هو نعيم الآخرة، منها: عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن الني صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة" يعنى العيشة الهنية الراضية الباقية هو عيش الآخرة، أما الدنيا فإنه مهما طاب عيشها فمآلها للفناء، وإذا لم يصحبها عمل صالح فإنها خسارة.
ولهذا ذكر في ضمن الأحاديث هذه" أنه يؤتى بأنعم أهل الدنيا في الدنيا" يعني أشدهم نعيماً في بدنه وثيابه وأهله ومسكنه ومركوبه وغير ذلك، " فيصبغ في النار صبغة" يعني يغمس فيها غمسة واحدة، ويقال له " يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما رأيت" لأنه ينسى كل هذا النعيم، هذا وهو شيء يسير، فكيف بمن يكون مخلداً فيها والعياذ بالله أبد الآبدين.
وذكر أيضاً حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ في السوق بجدي أسك. والجدي من صغار الماعز، وهو أسك: أي مقطوع الأذنين، فأخذه النبي عليه الصلاة والسلام ورفعه وقال:" هل أحد منكم يريده بدرهم؟ قالوا يا رسول الله، ما نريده بشي. قال: "هل أحد منكم يود أن يكون له؟ قالوا: لا. قال: إن الدنيا أهون عند الله تعالى من هذا الجدي".
فهذا جدي ميت لا يساوي شيئاً، ومع ذلك فالدنيا أهون وأحقر عند الله تعالى من هذا الجدي الأسك الميت، فهي ليست بشيء عند الله، ولكن من عمل فيها عملاً صالحاً؛ صارت مزرعة له في الأخرة، ونال فيها