ثم ذكر حديثي ابن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما في هذا المعنى، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يتناجى اثنان دون الثالث، يعني إذا كانوا ثلاثة فإنه لا يحل لاثنين أن يتناجيا دون الثالث، لأن الثالث يحزن، ويقول لماذا ما كلموني، هذا إذا أحسن بهما الظن، وربما يسيء بهما الظن، ولكن إذا أحسن بهما الظن قال لماذا أنا ليس لي قيمة؟ يتناجيان دوني؟ فلذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا، ولا شك أن هذا من الآداب.
فإن قال قائل: إذا كانت بيني وبين صاحبي مسألة لا أحب أن يطلع عليها أحد، مسألة خاصة؟ قلنا: افعل كما فعل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ادع واحداً لتكونوا كم؟ أربعة، فيتناجى اثنان، واثنان يتكلمان فيما بينهما، كما كان ابن عمر يفعل رضي الله عنه، وكما دل عليه الحديث: حتى تختلطوا بالناس في حديث ابن مسعود، فإذا اختلطا بالناس زالت المشكلة، ومن ذلك من التناجي بين اثنين دون الثالث، إذا كانوا ثلاثة واثنين يجيدان لغة أجنبية والثالث لا يجيدها، فجعلا يتحدثان بلغتهما، والثالث يسمع ولا يفهم ما يقولان، هذا نفس الشيء، لأن ذلك يحزنه، لماذا تركاني وصارا يتحدثان وحدهما؟ أو ربما يسيء الظن بهما، مثل أن يتكلم واحد مع آخر باللغة الإنجليزية، والثالث لا يعرفها، فهذا كالمتناجيين إذ أن رفع الصوت لا يفيدهم شيئا، فينهى عن ذلك، فإذا قال قائل: إذا كان له حاجة في أخيه؟ قلنا: يفعل كما فعل ابن عمر، وإذا لم يمكن ولم يقابلهم أحد، فإنهما يستأذنان منه، يقولان له أتأذن لنا أن نتكلم؟ فإذا أذن لهم في ذلك فالحق لهم، وحينئذ لا يحزن ولا يهتم بالأمر.