ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجالا في سرية وقال: إذا وجدتم فلانا وفلانا لرجلين سماهما فأحرقوهما بالنار فاعتمد الصحابة ذلك امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم فلما أرادوا الخروج، قال كنت قلت: كذا وكذا ولكن لا يعذب بالنار إلا الله عز وجل فإن وجدتموهما فاقتلوهما فنسخ النبي صلى الله عليه وسلم أمره الأول بأمره الثاني، أمره الأول أن يحرقا وأمره الثاني أن يقتلا، فدل ذلك على أن الإنسان إذا استحق القتل فإنه لا يحرق بالنار وإنما يقتل قتلا عاديا حسب ما تقتضيه النصوص الشرعية.
وكذلك الحديث الذي رواه أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم مضى لحاجته فوجد الصحابة حمرة، نوع من الطيور، معها ولداها، فأخذوا ولديها، فجعلت تعرش، يعني تحوم حولهم، كما هو العادة أن الطائر إذا أخذ أولاده جعل يعرض ويحوم ويصيح لفقد أولاده، لأن الله سبحانه وتعالى جعل في قلوب البهائم رحمة لأولادها، حتى أن البهيمة لترفع حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه، وهذا من حكمة الله عز وجل، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلق ولديها لها، فأطلقوا ولديها، ثم مر بقرية نمل قد أحرقت فقال: من أحرق هذا؟ قالوا: نحن يا رسول الله.
قرية النمل يعني مجتمع النمل، جحورها، أحرقوها بالنار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار فنهى عن ذلك، وعلى هذا إذا كان عندك نمل فإنك لا تحرقها بالنار وإنما تضع شيئا يطردها مثل الجاز إذا صفيته على الحجر فإنها تنفر بإذن الله ولا ترجع، وإذا لم يمكن اتقاء شرها إلا بمبيد يقتلها نهائيا، أعني النمل، فلا بأس، لأن هذا دفع لأذاها، وإلا فالنمل مما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتله، لكن إذا آذاك ولم يندفع إلا بالقتل فلا بأس بقتله