قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ فيما نقله عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ أن ناساً قالوا: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالأجور، يعني استأثروا بالأجور وأخذوها عنا، وأهل الدثور: يعني أهل الأموال؛ يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم؛ يعني: فنحن وهم سواء في الصلاة وفي الصيام، ولكنهم يفضلوننا بالتصدق بفضول أموالهم، أي بما أعطاهم الله تعالى من فضل المال؛ يعني: ولا نتصدق.
وهذا كما جاء في الحديث الآخر عن فقراء المهاجرين، قالوا: ويعتقون ولا نعتق. فانظر إلى الهمم العالية من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ؛ يغبطون إخوانهم بما أنعم الله عليهم من الأموال التي يتصدقون بها ويعتقون منها، وليسوا يقولون: عندهم فضول أموال؛ يركبون بها المراكب الفخمة، ويسكنون القصور المشيدة، ويلبسون الثياب الجميلة؛ ذلك لأنهم قوم يريدون ما هو خير وأبقى، وهو الآخرة، قال الله تعالى:(بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)(الأعلى: ١٦، ١٧) ، وقال الله تعالى لنبيه صلى اله عليه وسلم:(وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى)(الضحى: ٤) .
فهم اشتكوا إلى الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ شكوى غبطة، لا شكوى حسد، ولا اعتراض على الله ـ عز وجل ـ ولكن يطلبون فضلاً يتميزون به عمن أغناهم الله؛ فتصدقوا بفضول أموالهم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به؟!) يعني إذا