الله تعالى؛ فأنزل عز وجل:(لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) قال: نعم (رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا) قال: نعم (رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) قال: نعم (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)(البقرة: ٢٨٦) ، قال: نعم) رواه مسلم.
[الشَّرْحُ]
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:(باب وجوب الانقياد لحكم الله تعالى ... ) ثم ذكر آيتين سبق الكلام عليهما، منهما قوله تعالى:(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ)(النساء: ٦٥) .
ثم ذكر حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ لما نزل الله على نبيه هذه الآية (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ)(البقرة: ٢٨٤) ، كبر ذلك عليهم وشق عليهم ذلك؛ لأن ما في النفس من الحديث أمر لا ساحل له، فالشيطان يأتي الإنسان ويحدثه في نفسه بأشياء منكرة عظيمة، منها ما يتعلق بالنفس، ومنها ما يتعلق بالمال، أشياء كثيرة يلقيها الشيطان في قلب الإنسان , الله عز وجل يقول:(وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ)(البقرة: ٢٨٤) فإذا كان كذلك؛ هلك الناس.
فجاء الصحابة، رضي الله عنهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجثوا على ركبهم، وقد فعلوا ذلك من شدة الأمر. فالإنسان إذا نزل به أمر شديد يجثو على ركبتيه، وقالوا: يا رسول الله؛ إن الله تعالى أمرنا بنا نطيق؛ الصلاة، والجهاد، والصيام، والصدقة، فنصلي، ونجاهد، ونتصدق، ونصوم. لكنه أنزل هذه الآية:(وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ)(البقرة: ٢٨٤) وهذه شديدة عليهم لا أحد يطيق أن يمنع نفسه عما تحدثه به من الأمور التي لو حوسب عليها لهلك.
فقال النبي عليه الصلاة والسلام:(أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا) أهل الكتابين هم اليهود والنصارى. فاليهود كتابهم التوراة، وهي أشرف الكتب المنزلة بعد القرآن. والنصارى كتابهم الإنجيل وهو متم للتوراة. واليهود والنصارى عصوا أنبياءهم وقالوا: سمعنا وعصينا، فهل تريدون أن تكونوا مثلهم؟ (ولكن قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) . هكذا يجب على المسلم إذا سمع أمر الله ورسوله أن يقول:(سمعنا وأطعنا) ويمتثل بقدر ما يستطيع، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وكثير من الناس اليوم يأتي إليك يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بكذا، هل هو واجب أو سنة؟ والواجب أنه إذا أمرك فافعل؛ إن كان واجباً فقد أبرأت الذمة، وحصلت خيراً، وإن كان مستحباً فقد حصلت خيراً أيضاً. أما أن تقول: أهو واجب أو مستحب؟! وتتوقف عن العمل حتى تعرف، فهذا لا يمون إلا من إنسان كسول لا يحب الخير