للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فصل: ومنها قوله تعالى في تشبيه من أعرض عن كلامه وتدبره: (فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ.

كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ.

فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) (١١٩) شبههم في إعراضهم ونفورهم عن القرآن بحمر رأت الأسد والرماة ففرت منه، وهذا من بديع التمثيل (١٢٠) فإن القوم من جهلهم بما بعث الله سبحانه رسوله

صلى الله عليه وسلم كالحمر فهي لا تعقل شيئا فإذا سمعت صوت الأسد أو الرامي نفرت منه أشد النفور وهذا غاية الذم لهؤلاء فإنهم نفروا عن الهدى الذي فيه سعادتهم وحياتهم كنفور الحمر عما يهلكها ويعقرها.

وتحت المستنفرة معنى أبلغ من النافرة فإنها لشدة نفورها قد استنفر بعضها بعضا وحضه على النفور فإن في الاستفعال (١٢١) من الطلب قدرا زائدا على الفعل المجرد فكأنها تواصت بالنفور وتواطأت عليه، ومن قرأها بفتح الفاء (١٢٢) فالمعنى: أن القسورة استنفرها وحملها على النفور ببأسه وشدته (١٢٣) .

فصل: ومنها قوله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (١٢٤) فقاس سبحانه من حمله كتابه ليؤمن به ويتدبره ويعمل به ويدعو إليه ثم خالف ذلك ولم يحمله إلا على ظهر قلب فقرأه به (١٢٥) بغير تدبر ولا تفهم ولا اتباع له (ولا) (١٢٦) تحكيم له وعمل بموجبه كحمار على ظهره زاملة أسفار لا يدري ما فيها وحظه منها حملها على ظهره ليس إلا فحظه


(١١٩) المدثر: ٤٩ - ٥١.
(١٢٠) في م (القياس والتمثيل) .
(١٢١) ع (الاستغفار) .
(١٢٢) انظر معاني القرآن ٣ / ٢٠٦ وإملاء مامن به الرحمن ٢ / ٢٧٣ والكافي ١٨٦.
(١٢٣) تفسير النسفى ٤ / ٣١٢.
(١٢٤) الجمعة: ٥.
(١٢٥) م، ع (فقراءته) .
(١٢٦) مذيدة من م.
(*)

<<  <   >  >>