للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله والدار الآخرة مع وفور علمه بالكلب في لهثه (١٣٣) سر بديع وهو أن الذي حاله ما ذكره الله من انسلاخه من آياته واتباعه هواه إنما كان لشدة لهفه على الدنيا لانقطاع قلبه عن الله والدار الآخرة فهو شديد اللهف عليها، ولهفه نظير لهف الكلب الدائم في حال ازعاجه وتركه، واللهف واللهث شقيقان وأخوان في اللفظ والمعنى قال ابن جريج: (١٣٤) (الكلب منقطع الفؤاد لا فؤاد له أن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث فهو مثل الذي يترك الهدى لا فؤاد له إنما فؤاده ينقطع) ، قلت: مراده بانقطاع فؤاده أنه ليس له فؤاد يحمله على الصبر وترك اللهث وهكذا الذي انسلخ من آيات الله لم يبق معه فؤاد يحمله على الصبر عن الدنيا وترك اللهف عليها فهذا يلهف على الدنيا من قلة صبره عليها وهذا يلهث من قلة صبره على الماء فالكلب من أقل الحيوانات صبرا عن الماء، وإذا عطش أكل الثرى من العطش وإن كان صبر عن الجوع (١٣٥) ، وعلى كل حال فهو من أشد الحيوانات لهثا يلهث قائما وقاعدا وماشيا وواقفا ذلك لشدة حرصه فحرارة الحرص في كبده توجب له دوام اللهث فهكذا مشبهه شدة (١٣٦) حرارة الشهوة في قلبه توجب له دوام اللهث (١٣٧) فإن حملت عليه بالموعظة والنصيحة فهو يلهث وإن تركته ولم تعظه فهو يلهف قال مجاهد (١٣٨) : وذلك مثال الذي أوتى الكتاب ولم يعمل به، وقال ابن عباس (١٣٩) : إن تحمل عليه الكلمة لم يحملها وإن تركته لم يهتد إلى الخير


(١٣٣) في م (لهفه) .
(١٣٤) في م (وإن كان فيه صبر على الجوع) سبق تعريفه انظر الطبري ٩ / ١٢٩.
(١٣٥) في م (وإن كان فيه على الجوع) .
(١٣٦) في م (شدة الحرص وحرارة الشهوة) .
(١٣٧) في م (اللهف) .
(١٣٨) تفسير مجاهد ١ / ٢٥١، الطبري ٩ / البغوي ٢ / ٣١٥.
(١٣٩) الطبري ٩ / ١٢٩.
(*)

<<  <   >  >>