بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ (وَلَا بِالْحِنْثِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالْحِنْثِ فِي قَوْلِهِ وَلَا جَمْعَ بَيْنَهُمَا بِالْحِنْثِ (إذَا قَدِمَ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا فِي قَوْلِهِ امْرَأَتُهُ كَذَا يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ لِأَنَّهُ يُذْكَرُ لِلنَّهَارِ وَلِلْوَقْتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: ١٦] صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتَ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ يَحْنَثُ إنْ قَدِمَ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا فَالْيَوْمُ حَقِيقَةٌ فِي النَّهَارِ مَجَازٌ فِي اللَّيْلِ فَيَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُذْكَرُ دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا بِالْحِنْثِ وَالْهَاءُ فِي لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْيَوْمِ وَالْمُرَادُ
ــ
[التلويح]
عَلَى أَوْلَادِنَا فَآمَنُوهُمْ، وَلَهُمْ أَبْنَاءٌ، وَبَنُو أَبْنَاءٍ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَشْمَلَ الْأَمَانُ بَنِي الْأَبْنَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْقِيَاسِ لَكِنَّهُ يَشْمَلُهُمْ عِنْدَهُ فِي رِوَايَةِ الِاسْتِحْسَانِ، فَالْجَوَابُ أَنَّ شُمُولَ الْأَمَانِ إيَّاهُمْ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ بَلْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَمَانَ لِحَقْنِ الدَّمِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّوَسُّعِ إذْ الْإِنْسَانُ بُنْيَانُ الرَّبِّ فَنَبْتَنِي عَلَى الشُّبُهَاتِ، وَاسْمُ الْأَبْنَاءِ قَدْ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْفُرُوعِ مِثْلَ بَنِي آدَمَ وَبَنِي هَاشِمٍ فَجَعَلَ مُجَرَّدَ صُورَةِ الِاسْمِ شُبْهَةً أَثْبَتَ بِهَا الْأَمَانَ لَكِنْ فِيمَا هُوَ تَابِعٌ فِي الْخِلْقَةِ، وَفِي إطْلَاقِ الِاسْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا آمَنُوهُمْ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْأَجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ لِأَنَّهُمْ وَإِنْ كَانَ تَبَعًا فِي تَنَاوُلِ الِاسْمِ لَكِنَّهُمْ أُصُولُ خِلْقَةٍ فَلَا يَدْخُلُونَ بِالدَّلِيلِ الضَّعِيفِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الِاسْمِ لِأَنَّ الْأَصَالَةَ الْخِلْقِيَّةَ تُعَارِضُهُ، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ حُرْمَةُ نِكَاحِ الْجَدَّاتِ بِالْإِجْمَاعِ لَا بِأَنَّ لَفْظَ الْأُمَّهَاتِ يَتَنَاوَلُهَا (قَوْلُهُ: وَالدُّخُولُ حَافِيًا مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ) لِأَنَّ وَضْعَ الشَّيْءِ فِي الشَّيْءِ أَنْ يُجْعَلَ الثَّانِي ظَرْفًا لَهُ بِلَا وَاسِطَةٍ كَوَضْعِ الدِّرْهَمِ فِي الْكِيسِ، وَالْكِيسِ فِي الْبَيْتِ، وَالْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ هَاهُنَا مَهْجُورٌ إذْ لَوْ اضْطَجَعَ، وَوَضَعَ الْقَدَمَيْنِ فِي الدَّارِ بِحَيْثُ يَكُونُ بَاقِي جَسَدِهِ خَارِجَ الدَّارِ لَا يُقَالُ عُرْفًا أَنَّهُ وَضَعَ الْقَدَمَ فِي الدَّارِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَنَامَ وَيَضَعَ الْقَدَمَيْنِ فِي الدَّارِ، وَبَاقِي الْجَسَدِ يَكُونُ خَارِجَ الدَّارِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ خُرُوجَ بَاقِي الْجَسَدِ شَرْطٌ فِي حَقِيقَةِ وَضْعِ الْقَدَمِ، وَلَفْظُ يَنَامُ لَيْسَ عَلَى حَقِيقَتِهِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَإِنْ قُلْت فَالدُّخُولُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَقِيقَةِ وَضْعِ الْقَدَمِ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ، وَالدُّخُولُ حَافِيًا مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ؟ قُلْت أَرَادَ أَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا دَخَلَ حَافِيًا صَحَّ أَنْ يُقَالَ حَقِيقَةُ أَنَّهُ وَضَعَ الْقَدَمَ فِي الدَّارِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ مُتَنَعِّلًا أَوْ رَاكِبًا فَإِنْ قُلْت قَدْ صَرَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ، وَالْمُحِيطِ بِأَنَّ الدُّخُولَ مَاشِيًا حَقِيقَةٌ غَيْرُ مَهْجُورَةٍ حَتَّى لَوْ نَوَاهُ لَمْ يَحْنَثْ بِالدُّخُولِ رَاكِبًا قُلْت كَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي الدُّخُولِ مَاشِيًا، وَهِيَ غَيْرُ مَهْجُورَةٍ بِخِلَافِ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ أَعْنِي وَضْعَ الْقَدَمِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ الدُّخُولِ أَوْ بِدُونِهِ حَتَّى لَوْ وَضَعَ الْقَدَمَ بِلَا دُخُولٍ لَمْ يَحْنَثْ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ لَكِنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ وَفِي الْعُرْفِ صَارَ عِبَارَةً عَنْ لَا يَدْخُلُ مُشْعِرٌ بِأَنَّ وَضْعَ الْقَدَمِ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فِي مُطْلَقِ الدُّخُولِ.
(قَوْلُهُ يُرَادُ بِهِ) أَيْ بِكَوْنِ الدَّارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute