للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِلْكُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَهُوَ مِلْكُ الْمُتْعَةِ كَالنِّكَاحِ، وَالثَّانِي ثَابِتٌ لِلْعَبْدِ، وَالْأَوَّلُ نَاقِصٌ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مِلْكَ الْيَدِ لَا مِلْكَ الرَّقَبَةِ فَتَكُونُ قِيمَتُهُ نَاقِصَةً عَنْ قِيمَةِ الْحُرِّ أَيْ: عَنْ دِيَتِهِ لَا نِصْفُهَا أَيْ: إذَا بَلَغَ قِيمَةُ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ خَطَأً عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَإِنَّهُ يَنْقُصُ عَنْ قِيمَتِهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ فَإِنَّ مِلْكَ الْمَالِ ثَابِتٌ لَهَا دُونَ مِلْكِ النِّكَاحِ فَدِيَتُهَا نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ هَذَا مَا ذَكَرُوا، وَقَدْ وَقَعَ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ فِي خَاطِرِي اعْتِرَاضٌ فَقُلْت (لَكِنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ لَا تَخْتَصُّ بِالدِّيَةِ، وَأَيْضًا تُوجِبُ الْإِكْمَالَ فِيمَا هُوَ مِنْ بَابِ الِازْدِوَاجِ) أَيْ: لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ لِنُقْصَانِ دِيَةِ الْعَبْدِ عَنْ دِيَةِ الْحُرِّ هَذَا الْأَمْرُ وَجَبَ أَنْ لَا يَخْتَصَّ هَذَا الْحُكْمُ بِالدِّيَةِ بَلْ يَكُونُ مُطَّرِدًا فِي

ــ

[التلويح]

إلَيْهِ كَسْبُهُ بَلْ يُؤَخَّرُ أَدَاؤُهُ إلَى أَنْ يُعْتَقَ، وَيَحْصُلَ لَهُ مَالٌ أَمَّا الدَّيْنُ فَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَأَمَّا الْعُقْرُ فَلِأَنَّهُ قِيمَةُ الْبُضْعِ بِشُبْهَةِ الْعَقْدِ، وَلَا شُبْهَةَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِعَدَمِ رِضَاهُ فَلَا يَظْهَرُ ثُبُوتُ الْعُقْرِ فِي حَقِّهِ فَلَا يُسْتَوْفَى مِنْ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ، وَلَا مِنْ الْكَسْبِ؛ لِأَنَّهُمَا حَقُّ الْمَوْلَى.

(قَوْلُهُ: وَيُنَصَّفُ الْحَدُّ) ؛ لِأَنَّ تَغْلِيظَ الْعُقُوبَةِ بِتَغْلِيظِ الْجِنَايَةِ عَلَى حَقِّ الْمُنْعِمِ، وَذَلِكَ بِتَوَافُرِ النِّعَمِ، وَكَمَالِ الْكَرَامَةِ، وَهِيَ نَاقِصَةٌ فِي حَقِّ الْعَبْدِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْحُرِّ فَيُنَصَّفُ حَدُّهُ الْقَابِلُ لِلتَّنْصِيفِ كَالْجَلْدِ بِخِلَافِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، وَكَذَا الْعِدَّةُ تَعْظِيمٌ لِمِلْكِ النِّكَاحِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ، فَتُنَصَّفُ، وَتَكُونُ عِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَا تَنْتَصِفُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّكَامُلِ احْتِيَاطِيًّا، وَكَذَا فِي الْقَسَمِ يَكُونُ لِلْأَمَةِ نِصْفُ الْحُرَّةِ، وَفِي الطَّلَاقِ يَكُونُ طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ تَنْصِيفُ الثَّلَاثَةِ عَلَى السَّوَاءِ فَجُعِلَ نِصْفُ الثَّلَاثَةِ ثِنْتَيْنِ اعْتِبَارًا لِجَانِبِ الْوُجُودِ، وَذَهَابًا إلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ مِنْ بَقَاءِ الْحِلِّ، وَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي تَنْصِيفِ الطَّلَاقِ رِقُّ الزَّوْجِ حَتَّى كَأَنَّ طَلَاقَ الْعَبْدِ ثِنْتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً أَوْ حُرَّةً لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ، وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ» ، وَلِأَنَّهُ الْمَالِكُ لِلطَّلَاقِ كَالنِّكَاحِ فَيُعْتَبَرُ حَالُهُ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى كَوْنِ الْمُعْتَبَرِ رِقَّ الزَّوْجَةِ بِأَنَّ عَدَدَ الطَّلَاقِ عِبَارَةٌ عَنْ اتِّسَاعِ الْمَمْلُوكِيَّةِ يَعْنِي: أَنَّ الطَّلَاقَ مَشْرُوعٌ لِتَفْوِيتِ الْحِلِّ الَّذِي صَارَتْ الْمَرْأَةُ بِهِ مَحَلًّا لِلنِّكَاحِ فَمَحَلُّ التَّصَرُّفِ حِلُّ الْمَحَلِّيَّةِ فَمَتَى كَانَ حِلُّ الْمَرْأَةِ أَزْيَدَ كَانَ مَحَلِّيَّةُ الطَّلَاقِ فِي حَقِّهَا أَوْسَعَ، وَظَاهِرٌ أَنَّ حِلَّ الْأَمَةِ أَنْقَصُ مِنْ حِلِّ الْحُرَّةِ كَمَا أَنَّ حِلَّ الْعَبْدِ أَنْقَصُ مِنْ حِلِّ الْحُرِّ عَلَى التَّنَاصُفِ فَيَفُوتُ حِلُّ مَحَلِّيَّةُ الْأَمَةِ بِنِصْفِ مَا يَفُوتُ بِهِ حِلُّ مَحَلِّيَّةِ الْحُرَّةِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنْ لَيْسَ عَدَدُ الطَّلَاقِ عِبَارَةً عَنْ اتِّسَاعِ الْمَمْلُوكِيَّةِ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ تَعَدُّدَ الطَّلَاقِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ اتِّسَاعِ الْمَمْلُوكِيَّةِ حَتَّى يَنْقُصَ بِطَلَاقٍ وَاحِدٍ شَيْءٌ مِنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ الْمُتَّسِعَةِ، وَبِالثِّنْتَيْنِ أَكْثَرُ، وَبِالثَّلَاثِ الْكُلُّ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي عَدَدِهِ رِعَايَةُ جَانِبِ الْمَمْلُوكِيَّةِ لَا الْمَالِكِيَّةِ، وَمَعْنَى الْمَمْلُوكِيَّةِ هَاهُنَا حِلُّ الْمَرْأَةِ الَّتِي هُوَ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ، وَالْأَمَةُ نَاقِصَةٌ فِيهِ لَا الْمَمْلُوكِيَّةُ الْمَالِيَّةُ الَّتِي هِيَ فِي الْأَمَةِ أَقْوَى فَإِنْ قِيلَ: الْمَمْلُوكِيَّةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>