وكانوا في الوقت أزمة المُلك وقُوَّام الخِدمِة، ومصابيح الأمة، وأغير الخلق على جاه وحرمة، فاحظوا محمد بن أبي عامر مشايعة، ولبعض أسبابه الجامعة متابعة، وشادوا بناءه، وقادوا إلى عنصره سناءه، حتى بلغ الأمل والتحف يمينه بمناه واشتمل، وعند التئام هذه الأمور لابن أبي عامر، استكان جعفر بن عثمان للحادثة، وأيقن بالنكبة، وزوال الحال وانتقال الرُّتبة، وكفّ عن اعتراض محمد وشركته في التدبير، وانقبض الناس من الرّواح إليه والتبكير، وانثالوا على ابن أبي عامر، فخفّ موكبه، وغار من سماء العزّ كوكبه وتوالى عليه سعي ابن أبي عامر وطلبه، إلى أن صار يغدو إلى قرطبة ويروح، وليس بيده من الحجابة إلاّ أسمها، وابن أبي عامر مشتمل على رَسمها، حتى محاه، وهتك ظلّه وأصحاه.
قال محمد بن إسماعيل: رأيته يُساق إلى مجلس الوزراء للمحاسبة راجلاً فأقبل يدرم، وجوارحه باللّواعج تَضطرم، وواثق الضاغط يَنهرُهُ، والزَّمع والبُهر قدها ضاه، وقصّرا خطاه، فسمعته يقول: رفقاً بي فستدرك ما تحبّه وتشتهيه، وترى ما كنت ترتجيه، وياليتَ أنّ الموت بيع