عالِم سَاد بالعِلم ورَأسَ، واقتبس به من الحُظوة ما اقتبس، وشُهِرَ بالأندلس حتى سار إلى المشرق ذِكره، واستطار شَرر الذّكاء فِكرُه، وكانت له عِناية بالعِلم وثِقة، ورواية له مُتسِقة، وأما الأدب فهو - كان - حُجَّته، وبه غَمرت الإفهام لُجَّته، مع صيانة وورع، وديانة ورد ماءَها فكرع، وله التأليف المشهور الذي سمّاه بـ العِقْد وحماه عن عثرات الألباب، وتُبصِر السَّحر منه في كُل باب، وله شعر انتهى منتهاه، وتجاوز سماك الإحسان وسُهاه.
أخبرني أبو محمد بن حزم أنه مرّ بقصر من قصور قُرطبة لبعض الرؤساء فَسَمع منه غناء أذهب لُبَّه، وألهَب قلبه، فبينما هو واقف تحت القصر، إذ رُشَّ بماء من أعاليه، فاستدعى رَقعة، وكتب إلى صاحب القصر بهذه القطعة: