الطريقين، وكان هو وأبو الطيب متعاصرين، وعلى الصّناعة متغايرين، وكلاهما من كِندة وما منهما إلاّ من اقتدح في الإحسان زندَه، وما قصر عنه في إحسان، ولا جاز بينهما تفضيل إنسان، وتمادى بأبي عمر، طلق العمر، حتى أفرده صاحبه ونديمُه، وهُرِيق شبَابُه واستشنَّ أديمُه، ففارق تلك الأيام وبَهجتها، وأدرك الفتنة فخاض لُجَّتها، وأقام فَرِقاً من هَيجانِها، شَرِقاً بأشجانِها ولحقته منها فاقه نَهكتهُ، وبعُدت عنه الإفاقة حتى أهلكته، وقد أثبتُّ من محاسنه ما يُعجبُك سَردُه، ولا يُمكنك نقدُه، فمن ذلك قولُه:
شَطَّتْ نَوَاهم بِشَمْسٍ في هَوادِجِهِم ... لولا تَلألُؤُهَا في ليلهنَّ عَشُوا
شَكَت محاسنَها عيني وقد غدرت ... لأنّها بضمير القلب تَنْجَمِشُ
شَعرٌ وَوجٌ تَبَارى في افْتِخَارِهِمَا ... بِحُسْنِ هذا وذاك الرّوم والحَبَشُ
شَكَكْتُ في سَقَمي منها أفي فُرُشي ... منها نُكِسْتُ وإلاّ الطيف والفرش