كدُرٍّ من نِظَام ويتراءى كثنايا غادةٍ ذات ابتسام، وهو غلام ما نضا بُردَ شَبابه، ولا انتضى مُرهف آدابه، فقال معرّضاً بهم، ومتعرّضاً لتحقق أدبهم:
كأنَّ الهواَء غديرٌ جَمَد ... بحيث البروق تُذيبُ البَرَدْ
خُيوطٌ وقَدْ عُقِدَتْ في الهواء ... وراحةُ ريحٍ تحُلُّ العُقَدْ
وشرب في دار ابن الأعلم في يومٍ لم يرَ الدَّهرُ فيه إساءه، وليل نسخ نور أُنسه مساءَه، ومعهم جُملة من الشعراء، وجماعة من الوزراء منهم أبناء القَبطُرنَة، فوقع بينهم عتاب وتَعذال، وامتهان في ميدان المُشاجرة، وابتذال آل به إلى تجريد السّيف، وتكدير ما صَفا بذلك الخَيف فسكنوه بالاستنزَال، وثنوه عن ذلك ووالوا الكؤوس في ودَادِه وكفوا بذلك بعض احتداده، حتى مالت به نشوته، وحالت بينه وبين حَتفه سَلوتُه، فقال:
قُلْ للوزيرينِ أنّي مُخْلِصٌ لَهُمَا ... في السِّرِّ والجَهْرِ من عُودَيْهِمَا عُودي
وشاهدُ الصِّدقِ لي ما في ضَمِيرِهِمَا ... فليس يُخْلص ودّ غيرُ مَوْدُودِ
وحَضر مَعهم في مَجلسٍ سِواه، انتشر به من المحاسن ما كان طواه، فبنيا هم يأخذون بأطراف الأحاديث، ويغدون في تلك الدَّمَاثيث، إذ قعد إليهم رجل طويلُ اللّحية، قصير الإدراك، قليل