وحلّ منه في روض نُمِّق له ونُضِّد، ولم يعمّر فيه ولم يدم ولاه، وتسمى بالمعتضد بالله، وارتمى إلى أبعد غايات الجود بما أناله وأولاه، لولا بطش في اقتضاء النفوس كدّر ذلك المَنهل، وعكّر أثناء ذلك صفو العلِّ والنّهل، وما زال للأرواح قابضاً وللوثوب عليها رابضاً، يخطف أعداءه اختطاف الطائر من الوَكر، وينتصف منهم بالدهاء والمَكر، إلى أن أفضى المُلك إلى ابنه المعتمد، فاكتحل منه طرفه الرَّمد، وأحمد مجده وتقلّد منه أيَّ بأس ونجده، وندى به لحق مناه، وأقام في الملك ثلاثاً وعشرين سنة، لم تعدم منه فيها حسنة، ولا سيرة مستحسنة، إلى أن غُلِبَ على سلطانه وذُهِبَ به من أوطانه، فنُقِل إلى حيثُ اعتقل، فأقام كذلك إلى أن مات، ووارته بريّة أغمات، وكان للقاضي جدّه أدب غضّ، ومذهب مبيضّ، ونظم يرتجله كل حين، ويبعثه أعطر من الرّياحين، فمن
ذلك قوله يصف النَّيلُوفر:
يا ناظرين لذا النَّيلُوفر البَهِج ... وطيب مخبره في الفوحِ والأرَج