للمُصحَفي بصدر قد كان أوغره، وساءه وصغّره، فاقتص من تلك الإساءة وأغصّ حلقه بأي مَساءة، فأخمله ونكبه، وأرجله عمّا كان الدهر أركبه، وألهب جوارحه حَزَنا ونهب له مُدَّخراً ومُختزنا، ودمّر عليه ما كان حاط، وأحاط به من مكروهه ما أحاط، وغير سنين في مهوى تلك النكبة، وجَوى تلك الكُربة، ينقله المنصور معه في غزواته، ويعتقله بين ضيق المُطبق ولهواته، إلى أن تكوّرت
شمسُه، وفاضت بين أثناء المِحن نفسُه، ومن بديع ما حُفِظ له في نكبته، قوله
يستريح من كُربَته:
صَبَرتُ على الأيّامِ لمّا تولّتِ ... وألزمتُ نفسي صبرها فاستمرّتِ
فَوَا عجَباً للِقَلبِ كيفَ اعترافه ... وللنّفسِ بعد العزّ كيف استذلّتِ