فقال العِلج: هذا والله كبش الدّولة، وخرج الناس يتحدثون عن حُسن مَقامه، وثبات جِنانه، وبلاغة لِسانه، وكان الخليفة الناصر لدين الله أشد تعجّباً منه، وأقبل على ابنه الحكم ولم يكن يَثبت معرفته، فسأله عنه، فقال الحكم: هذا منذر بن سعيد البلُّوطيِّ، فقال: والله لقد أحسن ما أنشأ، ولئن أبقاني الله تعالى لأرفعن من ذكره، فضع يدك يا حكمُ عليه واستخلصه، وذكّرني بشأنه، فما للصّنِيعَة مَذهب عنه، فلما ابتنى الناصر الجامع بالزهراء ولاّه الصلاة فيه والخطبة ثم توفي محمد بن أبي عيسى القاضي فولاه الجماعة بقُرطبة، وأقرّه على الصلاة بالزهراء.
وكان الخليفة الناصر كَلِفَاً بِعمارة الأرض، وإقامة معالِمها، وانبساط مياهها واستجلابها من أبعد بِقَاعها وتخليد الآثار الدّالة على قوة مُلكه، وعزّة سلطانه وعلوّ همته، فأفضى به الإغراق في ذلك إلى ابتناء مدينة الزهراء (البناء) الشائع ذكره، الذائع خبره،