للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدار ودخل وراءها، فلما رأت نفسها في داره وعلمت أنه قد خدعها أظهرت له البشرى والفرح باجتماعها معه، وقالت له: يصلح أن يكون معنا ما يطيب به عيشنا وتقر به عيوننا، فقال لها: الساعة آتيك بكل ما تريدين وتشتهين، وخرج وذهبت ولم تخنه في شيء فهام الرجل وأكثر الذكر لها، وجعل يمشي في الطرق والأزفة ويقول:

يا رب قائلة يومًا، وقد تعبت ... كيف الطريق إلى حمام منجاب؟ !

فبينما هو يومًا يقول ذلك وإذا بجارية أجابته من طاق:

هلا جعلت سريعًا إذ ظفرت بها ... حرزا على الدار أو قفلا على الباب؟ !

فازداد هيمانه واشتد، ولم يزل على ذلك، حتى كان هذا البيت آخر كلامه من الدنيا.

ولقد بكى سفيان الثوري، ليلة إلى الصباح، فلما أصبح قيل له: كل هذا خوفًا من الذنوب؟ فأخذ تبنة من الأرض، وقال: الذنوب أهون من هذا، وإنما أبكي من خوف سوء الخاتمة.

وهذا من أعظم الفقه: أن يخاف الرجل أن تخذله ذنوبه عند الموت فتحول بينه وبين الخاتمة الحسنى.

وقد ذكر الإمام أحمد عن أبي الدرداء أنه لما احضتر جعل يغمى عليه ثم يفيق ويقرأ {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام: ١١٠].

فمن هذا خاف السلف من الذنوب أن يكون حجابًا بينهم

<<  <   >  >>