للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قبله ماض، وحق القياس الصحيح أن يقال: (ما أعطيتك درهماً إلا أعطيتك قبله ديناراً، ولا أعطيتك دينار (١) إلا أعطيتك قبله درهماً) فهذا إخبار أن كل ماض من الدراهم كان قبله دينار، وكل دينار كان قبله درهم، وهذا مثل الحوادث الماضية التي قبل كل حادث منها حادث (٢) .

ب - وأما قوله: (لا أعطيك درهماً إلا أعطيتك بعده ديناراً، أو لا أعطيك ديناراً إلا وبعده درهم) فهذا مثل الحوادث في المستقبل وهو ما يقرون به، حيث يكون بعد كل حادث منها حادث، فإن أمكن أن يصدق في قوله في المستقبل، أمكن أن يصدق في قوله في الماضي، وعكسه بعكسه؛ لأن العقل لا يفرق بين هذا وهذا، ولكنه يفرق بين قوله: (لا أعطيك حتى أعطيك) وبين قوله: (ما أعطيتك إلا وقد أعطيتك) (٣) .

جـ - أن قوله: (لا أعطيك حتى أعطيك) ، مثل قوله: (ما أعطيتك حتى أعطيتك) ، فالأول نفي المستقبل حتى يوجد المستقبل، والثاني نفي الماضي حتى يوجد الماضي، وكلاهما ممتنع، فإنه نفي للشيء حتى يوجد الشيء.

وحقيقته: الجمع بين النقيضين، إذ يجعل الشيء موجوداً معدوماً.

بخلاف قوله: (ما أعطيتك إلا وقد أعطيتك قبله، ولا أعطيك إلا وأعطيك بعده) فإنه إثبات بعد كل عطاء عطاء، وقبل كل عطاء عطاء، إذ هذا المثال يتضمن إثبات بعد كل حادث مستقبل حادث مستقبل، وقبل كل حادث ماض حادث ماض، وبهذا يتبين الفرق بين المثال الأخير وبين المثالين اللذين قبله (٤) ، ولا يصح الاستدلال على منع الحوادث المتعاقبة في الماضي بقول الله عزّ وجل: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد: ٨] أو قوله سبحانه وتعالى: {وَأَحْصَى كُلَّ


(١) هكذا في المطبوعة والصواب: ديناراً.
(٢) انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية ٩/١٨٦.
(٣) انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية ٢/٣٥٨ - ٣٥٩، ٩/١٨٦ - ١٨٧.
(٤) انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية ٩/١٨٧.

<<  <   >  >>