للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شَيْءٍ عَدَداً} [الجن: ٢٨] ؛ لأن الباري عزّ وجل قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص (١) رضي الله عنهما أنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وكان عرشه على الماء» (٢)

وأما قوله سبحانه وتعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس: ١٢] ، فهذا يدل على أن الله قد أحصى وكتب ما يكون قبل أن يكون إلى أجل محدود، فإن الله عزّ وجل قد أحصى المستقبل المعدوم الذي لم يوجد بعد، كما أحصى الماضي الذي وجد ثم عدم، ولفظ الإحصاء لا يفرق بين الماضي والمستقبل (٣) .

ولما كان لازم قول المتكلمين في التسلسل: الترجيح بلا مرجح؛ لأنهم يرون أن الله كان معطلاً عن الفعل ثم فعل من غير تجدد أمر لهذا الحدوث، قالوا بعد ذلك: إن المرجح هو الإرادة القديمة، والإرادة لا تحتاج إلى تخصيص، وأن الله قادر على الفعل في الأزل لكنه لم يفعل ولا ينبغي له أن يفعل (٤) ، وقد قالوا ذلك هروباً من القول بقدم العالم الذي تقول به الفلاسفة، إذ فهموا أن القول بإمكان تسلسل الحوادث من الماضي إلى ما لا نهاية يستلزم


(١) عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي السهمي، أبو محمد، لم يكن بين مولده ومولد أبيه إلا اثنتا عشرة سنة، كان مواظباً على قيام الليل وصيام النهار، وقد أمره النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، عمي في آخر عمره، ت سنة ٦٥هـ وقيل غير ذلك.
انظر في ترجمته: الاستيعاب لابن عبد البر ٢/٣٤٦، الإصابة لابن حجر ٢/٣٥١.
(٢) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه ٤/٢٠٤٤ كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى، والبغوي في شرح السنة ١/١٢٣.
(٣) انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية ١/١٢٤.
(٤) انظر: تهافت الفلاسفة للغزالي ص٩٦ - ١٠٣، المواقف للإيجي ص١٤٨ - ١٥٦، شرح المقاصد للتفتازاني ٢/٢٣٧ - ٣٥٢.

<<  <   >  >>