للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمَّا الجاحظ فلم يرَ هذا، وعنده أنّ النطق خير من الصمت، وكيف يكون هذا ونفع الصمت لا يكاد يجاوز صاحبه، ونفع الكلام يخص ويعم، وبالكلام أرسل الرسل.

واعلم أنّ الصمت تارة يكون أحسن من الكلام، والكلام تارة أحسن من الصمت، قال عليه السلام: دع ما يريبك [إلى ما لا يريبك] (١)

قد رشَّحوك لأمرٍ إنْ فطِنتَ لهُ ... فاربأْ بنفسكَ أن ترعى مع الهَمَلِ

اللغة: رشحوك: أي ربوك وأهّلوك، والفطنة: الفهم، والهمل بالتحريك: الإبل بلا راعٍ.

الإعراب: قد: حرف يصحب الأفعال، ويقرب الماضي إلى الحال، ورشحوك: [فعل] وفاعل، ومفعول، إن: شرط، فطنت: فعل ماض، والتاء: ضمير الفاعل، وهو المخاطب، فاربأ: الفاء جواب الشرط، واربأ: فعل أمر مبني على السكون، أنْ: حرف ينصب الفعل المضارع، ترعى: منصوب بأنْ، مع الهمل: / قال الجوهري (٢) في [٧١ ب] صحاحه: مع كلمة تدل على المصاحبة.

المعنى: قد ربَّوْك وأهلوك لأمر، إنْ كنت تعلم باطن الأمر في مرادهم منك فاهرب منهم، ولا تطاوعهم على ما يرومونه منك، إنْ أردت ألاّ ترعى هاملاً، صار يحذر نفسه من أعاديه الذين يسعون في قهره، وحساده الذين يؤثرون هلاكه، ويتمنون وقوع الأذى به، ويتربصون به الدوائر، قال الأرجاني (٣): (من البسيط)

عَرفْتُ دهري وأهليه ببادرتي ... من قَبلِ أن نَجّذَتْني فِيهمُ الحُنَك

ولا أُغَرُّ ببِشرٍ في وجُوهِهمُ ... وربّما غَرّ َ حَبٍّ تحته شَبَك

قال أبو الطيب (٤): (من الطويل)

أُخالِطُ نَفسَ المَرءِ مِن قَبلِ جِسمِهِ ... وَأَعرِفُها من فِعلِهِ وَالتَكَلُّمِ

وقال آخر (٥): (من الخفيف)

وَإِذا خامَرَ الهَوى قَلبَ صَبٍّ ... فَعَلَيهِ لِكُلِّ عَينٍ دَليلُ

وقال أبو الطيب (٦): (من المنسرح)

وَيَعرِفُ الأَمرَ قَبلَ مَوقِعِهِ ... فَما لَهُ بَعدَ نُكره نَدَمُ


(١) ما بين الخاصرتين زيادة من الغيث المسجم ٢/ ٤٣٠، ومكانها في الأصل المخطوط بياض، وكتب في الهامش هنا بياض وجد بخط المصنف، سبقه أسطر.
(٢) الصحاح (معع)
(٣) ديوانه (م).
(٤) ديوانه ٢/ ٢٢٢، وفيه: أصادق نفس ....
(٥) للمتنبي، ديوانه ٢/ ١٨٨
(٦) ديوانه ١/ ١٣٨، وفيه: فما له بعد فعله ....

<<  <   >  >>