للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

/ اللغة: تبيت: تمسي، النار: معروفة، الهوى، مقصور: ميل النفس، الكبد: [٤٣ ب] معروفة، حرّى: مؤنث حار، القرى: الضيافة، القلل: جمع قلة، وهي أعلى الجبل.

الإعراب: تبيت: فعل مضارع، نار الهوى: اسم بات، ومضاف إليه، والجار والمجرور في كبد سدّ مسدّ الخبر الذي لبات، لأنها من أخوات كان، حرّى: مجرور على الصفة لكبد، ونار القرى، عاطف ومعطوف، ومضاف، على القلل: على هنا للاستعلاء، والجار والمجرور متعلق بمحذوف، وقال في النار الثانية منهم؛ لأن الضمير يعود إلى رجال الحي الذين جعلهم عِدىً كالأسد.

المعنى: إنّ هذا الحي الذي أريد طروقه له ناران: نار نسائه التي تبيت في كبدى حرى، ونار رجاله تبيت في القِرى مضرمة على القلل، وهذا في غاية المدح لهذا الحي لأن نساءه حِسان، ورجاله كِرام، وقوله: في كبد حرّى منكراً نكتة، كأنه قال: نار نسائه في كبد واحدة، وهي كبدي؛ لأنهن غير مبتذلات لمن يراهن، فما يشاركني في محبتهن أحد، ونار قراهم على القلل تبدو لكل ناظر، وقد جمع بين وصف الرجال ووصف النساء في بيت واحد، وهو من البلاغة، ومن هذا قول ابن الساعاتي: (من الكامل)

يا ممية الحي الحِسان جفانُهُ ... للهِ ما صنعتْ بنا جفناكِ (١)

أغنَتْ لِحاظُكِ عن ظباتِ سيوفِهِم ... فيها بلغت من القلوبِ مُناكِ

يقتُلنَ أنضاءَ حبٍّ لا حَراكَ بها ... وينحرونَ كرامَ الخيلِ والإِبِلِ

اللغة: أنضاء: جمع نضو، وأراد به جماعة العشاق الذين أسقمهم الهوى / [٤٤ أ] ... وأنحلهم، ولهذا أضافهم إلى الحب، والحب: معروف، فإذا أفرط في الحب انتقل من المحبة إلى العشق، فالعشق محبة مفرطة، وليس بإفراط المحبة كما قال بعضهم، فيكون أخص من المحبة، لأن كل عشق محبة، من غير عكس، قال صاحب الريحان والربعان: الحب أوله الهوى، ثم العلاقة، ثم الكلف، ثم الوجد، ثم العشق، وهو مقرون بالشهوة، والحب والمقة من الله، والعشق عند الأطباء من جملة أنواع الماليخوليا، تغير الظنون والفكر من المجرى الطبيعي إلى الفساد، ورسموا العشق بأنه مرض وسواسي يجلبه المرء إلى نفسه بتسليط فكرته على استحسان بعض الصور، والشمائل، وقال أرسطو: العشق عبارة عن عمى العاشق عن عيوب المعشوق.

قلت: ويؤيد ذلك من السنة قوله عليه السلام: حبك الشي يعمي ويصم، وقول الشاعر (٢): (من الطويل)


(١) البيتان في الغيث المسجم ١/ ٤١٧
(٢) للإمام الشافعي، ديوانه / (م).

<<  <   >  >>