للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمَّا الاسترواح بأنفاس الديار، وتلقي النسمات من أرض الحبيب فقد أكثرالشعراء في ذلك، وطلبوا الحياة والشفاء بالقرب من أماكن المعشوق، قال ابن الفارض (١): (من الكامل)

يا ساكِني البَطحاءِ هَل مِن عَودَةٍ ... أَحيا بِها يا ساكِني البَطحَاءِ

وَإِذا أَذى ألَمٍ ألَمَّ بمُهجَتِي ... فَشَذى أُعَيشَابِ الحِجازِ دَوائي

لا أكرهُ الطعنةَ النجلاءَ قد شُفِعَتْ ... برشقةٍ من نِبالِ الأعيُنِ النُّجُلِ

اللغة: كرهت الشيء أكرهه كراهةً، الطعنة: طعنة الرمح، النجلاء: الطعنة الواسعة، ومنه العيون النجل، والشفع: ضد الوتر، برشقة: الرشقة الرمي، وما أحسن قول محيى الدين بن قرناص (٢): (من مجزوء الرجز)

أتى الحبيب مائسا والردف قد أثقله

يرشق ثم ينثني ... لله ما أرشقه

نبال: جمع نبل، وهي السهام العربية، وهي مؤنثة، اسم جمع لا واحد له من لفظه، والنجل بالتحريك: سعة العين.

الإعراب: لا: حرف نفي، أكره: فعل مضارع من كره يكره، الطعنة: مفعول به، النجلاء: صفة للطعنة، شفعت: فعل مبني لما لم يسم فاعله، برشقة: الباء حرف جر، ويجوز أن تكون للمصاحبة، وأن تكون للاستعانة، من نبال: من هنا لبيان الجنس، الأعين: مضاف / إليه، النجل: صفة للأعيُن. ... [٤٩ أ]

المعنى: لا اكره الطعنة العظيمة الواسعة التي تنالني، وقد ثُنيت برشقة من سهام العيون المتسعة؛ لأن الألم إذ جاء في أثناء اللذة لا اعتبار به، كأنه يهون على صاحبه ما توهمه من بأس رجال الحي، لمَّا أخذ يصفهم بالشجاعة والغيرة، فهو يقول: أنا لا أكره مع ظفري بهذه الفتيات الحسان وقوع الطعنات؛ لأن ذلك رخيص إذا تهيأ لي، ومن هذا قولهم: مّن عرف ما يطلب، هان عليه ما يبذل،

وقول القائل (٣): (من الوافر)

يغوص البحر مَنْ طلب اللآلي ومَن رام العلى سهر الليالي

وقول أبي الطيب (٤): (من الطويل)

تُريدينَ لُقيانَ المَعالي رَخيصَةً ... وَلا بُدَّ دونَ الشَهدِ مِن إِبَرِ النَحلِ

وقول أبي فراس (٥): (من الطويل)


(١) ديوانه (م)
(٢) البيتان في الغيث المسجم ٢/ ١٥
(٣) نسب في مرآة الجنان، ص ٩٩٢ / (م) للشافعي، وفي الغيث المسجم ٢/ [١٦ ب] لا عزو.
(٤) ديوانه ٢/ ٢٨٢
(٥) ديوانه، ص ١٦١

<<  <   >  >>