للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولله درّه، فقد أودعه فوائد جمة، ومسائل مهمة، وكنت حين سمعت بهذا الكتاب، أطلبه من أُولي الألباب، وأحثّ في الوصول إليه من العزم الخيل والركاب، إلى أنْ يسّر الله تعالى الوقوف عليه في هذا العام، فوجدته كبحر أجاج، متلاطم الأمواج، ريحه عاصف، ووبله واكف، وجواهره منضودة، وفرائده معقودة، لم يُنسج في فنه على منواله، ولا سمحت قريحة بمثاله، وقد جمع من كل فن عرنيده (١)، ومن كل عالم تالده وطريده، فكان حقه أن يقال فيه (٢): (من الخفيف)

هكذا هكذا وإِلا فلا لا ... طُرُقُ الجدِّ غَيْرُ طُرْقِ المِزاحِ

غير أنه ينتقل فيه من علم إلى علم، ومن نكتة إلى نكتة، ومن غريبة إلى غريبة، وكأنه تمسك بقول القائل (٣): (من البسيط)

لا يُصلِحَ النَفسَ إِذْ كانَت مُدبرةً ... إِلّا التَنَقُّلُ مِن حالٍ إِلى حالِ

فهو غريب في بابه، عزيز عند طلابه، ومع ذلك اعتذر بخشية الإطالة، واجتنبها خوفا من عدم الإقالة، وذكر أنه حين علّقه كان في هموم / علم الله ترادف نعوتها، وانكشاف غمائم [٣ أ] غمها وعيوبها، هذا والزمان قصير، والعلم جمع غزير، فاستخرت الله تعالى ـ وله الخيرة ـ في تلخيصه وتهذيبه، سالكا فيه طريقته في ترتيبه؛ ليكون ذلك سببا لتحصيل مقصوده، وكالرمز على حلّ عقوده؛ فكتبت هذه الأوراق، مستعينا بالمهيمن الخلاق أن يجيرني وأحبائي من عوارض الأيام، وأن يجعلني من العلماء الأعلام، وأن لا يجعل سعينا في طلب العلم وبالا، وأن يحل علينا منة ورحمة وإفضالا.

[[ترجمة الطغرائي]]

فصل فيما يتعلق بترجمة الطغرائي ومولده ووفاته وذكر شيء من أشعاره مختصرا:

الطغرائي رحمه الله هو العميد مؤيد الدين فخر الكتاب ابن إسماعيل الحسين بن علي بن محمد بن عبد الصمد الأصبهاني المنشئ المعروف بالطغرائي، بضم الطاء المهملة، وسكون الغين المعجمة، وفتح الراء، وهذه نسبة إلى من يكتب الطغراء، وهي الطرة التي تكتب في أعلى الكتب، فوق البسملة بالقلم الغليظ، تتضمن نعوت الملك، وألقابه، وهي لفظة أعجمية.

قال ابن خلكان (٤): كان غزير الفضل، لطيف الطبع، فاق أهل عصره بصنعة النظم والنثر، وذكره السمعاني، وأثنى عليه، وذكر شيئا من شعره، وذكر أنه قتل في سنة خمس عشرة وخمسمائة، والطغرائي المذكور له ديوان شعر جيد، ومن محاسن شعره قصيدته


(١) العرندد: الصلب، اللسان (عرد)
(٢) البيت لابن قلاقس. ديوانه / الموسوعة الشعرية. وسنرمز لها بالحرف (م)
(٣) لأبي العتاهية، ديوانه، ص، ٣٥٩، وفيه: لن يصلح.
(٤) وفيات الأعيان ٢/ ١٨٥ ـ ١٩٠.

<<  <   >  >>