للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن بين ما يصطاد بازٍ ... وما يصطاده الزنبور فرق

قال الشارح: وبيت أبي العلاء أبلغ مما قال المصنف؛ لأنه أعذب لفظا، وكلا المعنيين اللذين أشار إليهنا يشبه قول الحريري (١): (من البسيط)

وطالما أُصْليَ الياقوتُ جَمرَ غضىً ... ثم انطَفى الجَمرُ والياقوتُ ياقوتُ

قال: وهو سيّد الأحجار التي لا تذوب، ولا تتأثر بالنار، والذَّكر أردأ أصناف (٢) الياقوت، قال ابن سينا: ومن خواصّه التفريح، وتقوية القلب، ومقاومة السّموم، ومن خواصّه أنه يقطع سائر الحجارة إلاّ الألماس يقطعه؛ لصلابته وقلة مائيته، ولبعضهم فيمن اسمه ياقوت (٣): (من البسيط)

ياقوت ياقوت قلبي المستهام به ... من المروءة أن لا يمنع القوت

سكنت قلبي وما تخشى تلهبه ... وكيف يخشى لهيب النار ياقوت

قلت: وكذا الحجر الأسود، لا يتأثر أيضا بالنار، وله خاصيّة أخرى وهو أنه لا يغرق في الماء، وهاتان الخصلتان توجدان فيه عند الامتحان، وقد امتُحن فوُجد كذلك حين أخذته القرامطة في خبر مشهور، لا طائل بذكره، فإن قيل: أليس كون الشمس في بكرة النهار مثل كونها في آخره؛ لأن حالة الإقبال حالة (٤) ابتداء وتمكُّن، وحالة الانتهاء حالة إدبار، ولهذا / قال المنجمون: إنّ السعي في الحوائج في أول النهار خير منه في آخره. ... [٨ ب]

قال الشاعر (٥): (من الخفيف)

بَكِّرا صاحِبَيَّ قَبلَ الهَجيرِ ... إِن ذاكَ النَجاحَ في التَبكيرِ

قلت: وعلى الشارح اعتراض، وعليه الشاعر، أمّا الشارح فكان ينبغي له أن يستدل بقوله عليه السلام: اللهم بارك لأمتي في بكورها، وبما قاله أصحابنا من استحباب التبكير في الحوائج والمهمات، وعلى الشاعر إذ لو قال: إنّ أصل النجاح، لكان أولى، لما لا يخفى على متأمل، وأجاب الشارح عن السؤال المتقدم أن المصنف إنما أراد ذات الشمس من حيث هي من غير نظر إلى ما يطرأ عليها من حركة فلكها؛ لأن هذه الأحوال إنما هي بالنسبة إلينا لا إلى الفلك؛ لأن الشمس في جرمها واحدة لا تتغير أبدا، وهي هي أبدا ما زالت، ولا طرأ عليها شيء، نعم كان هذا يُراد لو كان لكل يوم شمس تخصه، كما ذهب إليه بعضهم، وليس


(١) مقامات الحريري ـ المقامة الحجرية، ص ٤١٧، والبيت لمحمد بن حمير الهمداني، ديوانه / (م).
(٢) أصناف زيادة من ب.
(٣) البيتان في الغيث المسجم ١/ ٩٥ دون عزو
(٤) حالة زيادة من ب.
(٥) لبشار بن برد، ديوانه / (م).

<<  <   >  >>