للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أقاطن قوم سلمى أم نووا ظعنا ... إنْ يظعنوا فعجيب عيش مَنْ قطنا

وقال آخر (١): (الطويل)

خليلي ما وافٍ بعهدي أنتما إذا لم تكونا لي على مَن أقاطعُ

ألا ترى أنّ قاطنا لمَّا اعتمد على استفهام كان مبتدأ، وأنّ وافيا لمَّا اعتمد على النفي، جاز الابتداء به قولهم معنى النفي؛ ليدخل فيه قول الشاعر (٢): (من المديد)

غيرُ مأسوفٍ على زمنٍ ... ينقضِي بالهَمِّ والحَزَنِ

قوله: عن الأهل، عن هاهنا للمجاوزة، والجار والمجرور في موضع النصب باسم الفاعل، صفر الكف منفرد: خبران أيضا مثل ناء، فهي ثلاثة أخبار لمبتدأ واحد، والصحيح جواز تعدد الأخبار، ثم هي على ثلاثة أقسام، لا نطيل بذكرها، إلاّ أنّ هذه الإخبارات الثلاثة تعددت في اللفظ، والمعنى دون الابتداء؛ لأنه واحد متصف بهذه الصفات، فيجوز فيما كان بهذه المثابة أنْ ترد الأخبار فيه معطوفة، وغير معطوفة، كقوله تعالى: [وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ] (٣)، قوله: كالسيف، الكاف هنا اسم بمعنى مثل، ويجوز في موضعها النصب على الحال، أو على أنه صفة لمصدر محذوف، تقديره منفرد انفرادا مثل انفراد السيف، أو الرفع إن قُدِّرت فأنا منفرد مثل السيف، عُرِّي متناه: ومتناه مفعول ما لم يسم فاعله، وعلامة رفعه الألف؛ لأنه مثنى، وحذفت نون التثنية لإضافته إلى الضمير، والموجب لحذف الفاعل أمور، لا نطيل بذكرها، وقوله: من الخلل متعلق بعُرِّي، مِنْ هنا لبيان الجنس، وجملة عُرِّي وما بعدها في موضع الجر على الصفة للسيف، ومن الخلل متعلق بعُرِّي.

المعنى: هذا البيت متعلق / بما قبله، كأنه يقول لأي شيء أُقيم ببغداد [١٢ ب] وليس لي بها سكن، ولا ناقة، ولا جمل، وأنا ناء عن الأهل فقير، لا أملك شيئا من المال في كفي، منفرد عن الناس كالسيف الذي جُرِّد عن حليته، إذ المقصود وقت الحاجة هو نفسه دون الحمائل والأجفان، وأمَّا الحمائل والأجفان فلا اعتبار بها، وما الحلى إلاّ حلية لنقيصته، وما أحسن ما كشف أبو العلاء المعري (٤) عن هذا المعنى بقوله: (من الطويل)

وإنْ كان في لُبسِ الفتى شرَفٌ له ... فما السّيفُ إلاّ غِمْدُه والحمائل


(١) البيت في أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ١/ ١٨٩وقد قال مؤلفه: ولم أقف لهذا الشاهد على نسبة لقائل معين، ولا عثرت له على سوابق أو لواحق تتصل به.
(٢) البيت في شرح ابن عقيل ١/ ١٩١، وفي خزانة الأدب ١/ ٣٤٥، وهو لأبي نواس، وهو ليس ممن يستشهد بكلامه، وإنما أورده الشارح مثالاً للمسألة، ولهذا قال: ليدخل فيه قول الشاعر. وبعده بيت ثان وهو:
إنما يرجو الحياة فتى ... عاش في أمن من المحن
(٣) البروج ١٤، ١٥
(٤) ديوان سقط الزند، ص ١٩٤

<<  <   >  >>