للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نظيره، والركب: فاعله، في عَذَلي: جار ومجرور في موضع النصب؛ لتعلقه بلجَّ، كأنه قال: أسرع الركب عذلي وأعجلوا.

المعنى: هذا البيت كالذي قبله، أخذ يُعدد مشاقه، ويُكررها، حتى أنَّ النوق تصيح من تحته، والإبل ترفع أصواتها، والرفاق يلومونه ويعذلونه على مواصلة الأسفار، ومحاولة الأخطار، وفي قوله: وضجَّ من لغب نضوي غنية عن أن يقول فيما بعد وعجّ لما ألقى ركابي؛ لأن المعنى واحد، فكل منهما يغني عن ذكر الآخر، فإنّ ضجيج النوق هو عجيج الركاب، وقد عيب على أبي الطيب قوله (١): (من المنسرح)

وَأَنكَ بِالأَمسِ كُنتَ مُحتَلِماً ... شَيخَ مَعَدٍّ وَأَنتَ أَمرَدُها

إذ كان في محتلما ما يغني عن قوله أمردها، أو يُكتفى بقوله وأنت أمردها عن ذكر محتلما، وكذلك قول أبي الطيب أيضا (٢): (من الوافر)

وَلَم أَرَ مِثلَ جِيراني وَمِثلي ... لِمِثلي عِندَ مِثلِهِمِ مُقامُ

وكذا قوله (٣): (من الطويل)

فَقَلقَلتُ بِالهَمِّ ............. البيت

وقال الأصمعي لمن أنشده (٤): (من لطويل)

فما للنّوَى، جَدَّ النّوى، قَطعَ النّوى ... كذاك النّوى قطّاعةٌ لوِصالِ

لو سلّط الله على هذا البيت شاة لأكلت هذا النوى، قال: وأمَّا قول أبي نواس (٥):

(من الطويل)

أَقَمنا بِها يَوماً وَيَوماً وَثالِثاً ... وَيَوماً لَهُ يَومُ التَرَحُّلِ خامِسُ

فقال ابن الأثير في المثل (٦): مراده بذلك أنهم أقاموا أربعة أيام، ويا عجبا له يأتي بمثل هذا البيت السخيف، على العي الفاحش.

قال الشارح: وأبو نواس أجل قدرا من أن يأتي بمثل هذه العبارة لغير معنى طائل، بل المفهوم من البيت أنه أقام سبعة أيام، لأنه قال ثالثا، ويوم آخر له اليوم الذي رحلنا / فيه خامس، وابن الأثير لو أمعن في النظر في هذا لما قال ما قال. ... [١٧ ب]

قلت: وقد قال في هذا البيت كما قال ابن الأثير الشيخ أثير الدين أبو حيان، فإنه في شرح التسهيل في باب أخر أنه أراد أنه أقام أربعة أيام، انتهى، ويحتمل أيضا أنه أراد


(١) ديوانه ١/ ٥٣
(٢) ديوانه ١/ ١٤٦
(٣) ديوان المتنبي ١/ ٧٨، تمامه: " ... الذي قلقل الحشا ... قلاقل همٍّ كلهن قلاقل"
(٤) البيت في الغيث المسجم ١/ ١٨٤، وفي يتيمة الدهر١/ ١٦٥، بلا عزو لقائل.
(٥) ديوانه، ص ٣٠٠.
(٦) يعني كتابه: المثل السائر.

<<  <   >  >>