للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واعلم أن المال تارة يطلب لذاته، وهذا مذموم، نطقالقرآن الكريم بذمه، والتوعّد عليه، فمن يكنز الذهب والفضة ولا ينفقها في سبيل الله، وأي أرب في جمع المال، وعدم إنفاقه، وأي فرق بين ما يكون في الصندوق ذهبا وجوهرا، وبين أن يكون حجارة.

قال أبو الطيب (١): (من الطويل)

لِمَن تَطلُبُ الدُنيا إِذا لَم تُرِد بِها ... سُرورَ مُحِبٍّ أَو إِساءَةَ مُجرِمِ

انظر رحمك الله إلى قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحارثة ما قال، وهو أنّ حارثة قال: يا نبي الله أصبحت مؤمنا حقا، فقال عليه السلام: يا حارثة: إن لكل حقٍّ حقيقة، فما حقيقة / إيمانك، قال: يا رسول الله عرّيت نفسي عن الدنيا، فاستوى عندي ذهبها ومدرها (٢)، [٢١ أ] وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا، وإلى أهل الجنة في الجنة يتنعمون، وأهل النار في النار يعذبون، فقال عليه السلام: يا حارثة عرفت فالزم، سماه عارفا بسبب عرفان ما تقدم، ولو بسطنا القول على هذا الحديث لطال، ولخرجنا عن المقصود، والشارح لم يتعرض لهذا الحديث البتة.

وقال الشارح: وقول الطغرائي في هذا البيت وما بعده يشبه قول أبي الطيب (٣): (من الطويل)

وَأَتعَبُ خَلقِ اللَهِ مَن زادَ هَمُّهُ ... وَقَصَّرَ عَمّا تَشتَهي النَفسُ وُجدُهُ

فَلا مَجدَ في الدُنيا لِمَن قَلَّ مالُهُ ... وَلا مالَ في الدُنيا لِمَن قَلَّ مَجدُهُ

وَفي الناسِ مَن يَرضى بِمَيسورِ عَيشِهِ ... وَمَركوبُهُ رِجلاهُ وَالثَوبُ جِلدُهُ

وَلَكِنَّ قَلباً بَينَ جَنبَيَّ مالَهُ ... مَدىً يَنتَهي بي في مُرادٍ أَحُدُّهُ

والدنيا كل أمورها غريبة، وكلها عجائب، وعلى الصحيح ما فيها عجيبة، هذا الطغرائي منشد السلطان محمد كما تقدم، وصاحب الطغراء، له يد في الكيمياء، وحل رموزها، ومع هذا يقول: أريد بسطة كف أستعين بها، ولكن الزمان حرب الفضل، وسلم الجهل، والظاهر من أثره أنه كان يعرف الكيمياء علما لا عملا، ولكن الأيام ما ساعدته إلى التمكن من عملها حتى يبرزها من القول إلى الفعل، لأنه قال (٤): (من الطويل)

ومن عجب الأشياء أني واقفٌ ... على الكنز من يظفر به فهو مبخوت

وأن كنوز الأرض شرقاً ومغرباً ... مفاتحها عندي ويعجزني القوت

ولولا ملوك الجور في الأرض أصبحت ... وحصباؤها درٌّ لدي وياقوت


(١) ديوانه ٢/ ٢٢٤
(٢) المَدَر، مُحرَّكة: قِطَعُ الطِّينِ اليابِس المُتَماسِك، أو الطِّينُ العِلْكُ الذي لا رَمْلَ فيه، واحدَتُه بهاءٍ. ومن المَجاز قولُ عامر بن الطُّفَيْل للنبيِّ صلّى الله عليه وسلَّم: "لنا الوَبَر ولكم المَدَر". إنّما عنى به المُدُن أو الحَضَر، لأنَّ مَبانيها إنّما هي بالمَدَر، وَعَنَى بالوَبَر الأَخْبِيَة لأنّ َبْنِية الباديةِ بالوَبَر. تاج العروس (مدر).
(٣) ديوانه ٢/ ٢١٦
(٤) لم أجدها في المطبوع من ديوانه، وهي في الغيث المسجم ١/ ٢٣٠ ـ ٢٣١، وفي الوافي بالوفيات، ص ١٠٠٧١ / (م).

<<  <   >  >>