للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا أُخِلُّ بغِزلان أغازِلُها ... ولو دهتني أسودُ الغِيل بالغيَلِ

حُبُّ السلامةِ يُثْني همَّ صاحِبه ... عن المعالي ويُغرِي المرءَ بالكَسلِ

فإن جَنَحْتَ إليه فاتَّخِذْ نَفَقاً ... في الأرضِ أو سلَّماً في الجوِّ فاعتزلِ

ودَعْ غمارَ العُلى للمقديمن على ... ركوبِها واقتنِعْ منهن بالبَلَلِ

رضَى الذليلِ بخفضِ العيشِ يخفضُه ... والعِزُّ عندَ رسيمِ الأينُقِ الذُلُلِ

فادرأْ بها في نحورِ البِيد جافلةً ... معارضاتٍ مثانى اللُّجمِ بالجُدَلِ

إن العُلَى حدَّثتِني وهي صادقةٌ ... في ما تُحدِّثُ أنَّ العزَّ في النُقَلِ

لو أنَّ في شرفِ المأوى بلوغَ مُنَىً ... لم تبرحِ الشمسُ يوماً دارةَ الحَمَلِ

أهبتُ بالحظِ لو ناديتُ مستمِعاً ... والحظُّ عنِّيَ بالجُهَّالِ في شُغُلِ

لعلَّهُ إنْ بَدا فضلي ونقصُهُمُ ... لعينهِ نامَ عنهمْ أو تنبَّهَ لي

أعلِّلُ النفس بالآمالِ أرقُبُها ... ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمَلِ

لم أرتضِ العيشَ والأيامُ مقبلةٌ ... فكيف أرضَى وقد ولَّتْ على عَجَلِ

غالى بنفسيَ عِرفاني بقيمتِها ... فصُنْتُها عن رخيصِ القَدْرِ مبتَذَلِ

وعادةُ النصلِ أن يُزْهَى بجوهرِه ... وليس يعملُ إلّا في يدَيْ بَطَلِ

ما كنتُ أُوثِرُ أن يمتدَّ بي زمني ... حتى أرى دولةَ الأوغادِ والسّفَلِ

تقدَّمتني أناسٌ كان شَوطُهُمُ ... وراءَ خطويَ إذ أمشي على مَهَلِ

هذا جَزاءُ امرئٍ أقرانُه درَجُوا ... من قَبْلهِ فتمنَّى فُسحةَ الأجلِ

وإنْ عَلانِيَ مَنْ دُونِي فلا عَجَبٌ ... لي أُسوةٌ بانحطاطِ الشمس عن زُحَلِ

فاصبرْ لها غيرَ محتالٍ ولا ضَجِرٍ ... في حادثِ الدهرِ ما يُغني عن الحِيَلِ

أعدى عدوِّكَ أدنى من وَثِقْتَ به ... فحاذرِ الناسَ واصحبهمْ على دَخَلِ

وإنّما رجلُ الدُّنيا وواحِدُها ... من لا يعوِّلُ في الدُّنيا على رَجُلِ

وحسنُ ظَنِّكَ بالأيام مَعْجَزَةٌ ... فظُنَّ شَرّاً وكُنْ منها على وَجَلِ

غاضَ الوفاءُ وفاضَ الغدرُ وانفرجتْ ... مسافةُ الخُلْفِ بين القولِ والعَمَلِ

وشانَ صدقَك عند الناس كِذبُهمُ ... وهل يُطابَقُ معوَجٌّ بمعتَدِلِ

إن كان ينجعُ شيءٌ في ثباتِهم ... على العُهودِ فسبَقُ السيفِ للعَذَلِ

يا وارداً سؤْرَ عيشٍ كلُّه كَدَرٌ ... أنفقتَ عُمرَكَ في أيامِكَ الأُوَلِ

فيمَ اعتراضُكَ لُجَّ البحرِ تركَبُهُ ... وأنتَ تكفيك منه مصّةُ الوَشَلِ

مُلْكُ القناعةِ لا يُخْشَى عليه ولا ... يُحتاجُ فيه إِلى الأنصار والخَوَلِ

ترجو البَقاءَ بدارِ لا ثَباتَ لها ... فهل سَمِعْتَ بظلٍّ غيرِ منتقلِ

<<  <   >  >>