من أن الله ذكر أن المشركين يقرون بالربوبية، وأن كفرهم بتعلقهم على الملائكة والأنبياء والأولياء مع قولهم [هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ] يونس ١٨، هذا أمر محكم بيّن لا يقدر أحد أن يغيرّ معناه، وما ذكرت لي، -أيّها المشرك - من القرآن أو كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا أعرف معناه، ولكن اقطع أن كلام الله لا يتناقض، وأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالف كلام الله عزوجل.
ثم قال: وهذا جواب سديد، ولكن لا يفهمه إلا من وفقه الله تعالى، فلا تستهن به فإنه كما قال تعالى [وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ] فصلت ٣٥.
وهنا يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية قاعدة شريفة وهي:
{أن جميع ما يحتج به المبطل من الأدلة الشرعية والعقلية إنما تدل على الحق، لا تدل على قول المبطل}.
وهذا ظاهر يعرفه كل أحد، فإن الدليل الصحيح لا يدل إلا على حق، لا على باطل.
ثم قال: والمقصود هنا شيء آخر، وهو: أن نفس الدليل الذي يحتج به المبطل هو بعينه إذا أعطى حقه، وتميز ما فيه من حق وباطل، وبيّن ما يدل عليه، تبين أنه يدل على فساد قول المبطل المحتج به في نفس ما احتج به عليه، وهذا عجيب: قد تأملته فيما شاء الله من الأدلة السمعية فوجدته كذلك.