للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تمرّ بين يديه فمازال يُدارئُها)) أي يدافعها (١)، وقد بوّب البخاري - رحمه اللَّه - باباً في صحيحه فقال: (باب المداراة مع الناس) ثم أورد حديث عائشة أنه استأذن على النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل فقال: ((ائذنوا له فبئس ابن العشيرة)) - أو بئس أخو العشيرة))، فلما دخل ((ألان له الكلام)). قالت عائشة: فقلت له: يا رسول اللَّه قلت ما قلت ثم ألنت له في القول. فقال: ((أي عائشة إن شر الناس منزلة عند اللَّه من تركه - أو ودعه - الناس اتِّقاء فُحشه)) (٢)، ويذكر عن أبي الدرداء - رضي الله عنه -: ((إنا لنكشِرُ (٣) في وجوه أقوام وإن قلوبنا تلعنهم)) (٤).

فظهر أن المداراة هي: الدفع برفق ولين.

والمداراة ليست من المداهنة: قال ابن بطال - رحمه اللَّه -: المداراة من أخلاق المؤمنين وهي خفض الجناح للناس، ولين الكلمة، وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة. قال: وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغلط؛ لأن المداراة مندوب إليها، والمداهنة محرمة، والفرق: أن المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه، وفسرها العلماء بأنها معاشرة الفاسق وإظهار الرضى بما هو فيه من غير إنكار عليه.

والمداراة هي الرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه


(١) النهاية في غريب الحديث، ٢/ ١١٠.
(٢) البخاري، كتاب الأدب، باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب، برقم ٦٠٥٤.
(٣) هو في الغالب الضحك مع ظهور الأسنان، الفتح، ١٠/ ٥٢٨.
(٤) البخاري، بصيغة التمريض، كتاب الأدب، باب المداراة مع الناس، قبل الحديث رقم ٦١٣١، وقال ابن حجر١٠/ ٥٢٨: ((منقطع)).

<<  <   >  >>