للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فرس أو بِرْذَونٍ وهو يقول: اللَّه أكبر، وفاء لا غدر. فنظروا فإذا عمرو بن عبسة، فأرسل إليه معاوية - رضي الله عنه - فسأله، فقال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من كان بينه وبين قومٍ عهدٌ فلا يشدُّ عقدة ولا يحلها حتى ينقضيَ أمَدُها أو ينبذ إليهم على سواء» فرجع معاوية (١). وهذا كلُّه يدلُّ على أن الهدف والمراد من الجهاد هو إعلاء كلمة اللَّه - عز وجل -.

[المثال الثالث: دفعه - صلى الله عليه وسلم - نزول العذاب على أعدائه:]

ومن الأمثلة العظيمة على هذه الرحمة التي شملت حتى أعدائه - صلى الله عليه وسلم - قصّته مع مَلَك الجبال حينما بعثه اللَّه إليه؛ ليأمره بما شاء عندما آذاه المشركون، فجاء ملك الجبال وسلَّم عليه وقال: (يا محمد إن اللَّه قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربِّي إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت (٢)؟ إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين) [والأخشبان جبلان عظيمان في مكة، تقع مكة بينهما]، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لملك الجبال: «بل أرجو أن يخرج اللهُ من أصلابهم من يعبُد اللَّه وحده لا يُشرك به شيئاً» (٣).

المثال الرابع: سلامة قلبه - صلى الله عليه وسلم -، وحُبّه الخير لليهود وغيرهم:

ومن الأمثلة العظيمة لرحمته - صلى الله عليه وسلم - حديث أنس - رضي الله عنه - قال: (كان غلام يهوديٌّ يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فمرض فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده فقعد عند رأسه


(١) أبو داود، كتاب الجهاد، باب في الإمام يكون بينه وبين العدو عهد فيسير إليه ٣/ ٨٣ (رقم ٢٧٥٩)، وانظر: صحيح سنن أبي داود ٢/ ٥٢٨، والترمذي، كتاب السير، باب ما جاء في الغدر (رقم ١٥٨٠) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(٢) استفهام، أي فمرني بما شئت، انظر: فتح الباري، ٦/ ٣١٦.
(٣) البخاري، كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم آمين، برقم ٣٢٣١، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - من أذى المشركين والمنافقين، برقم ١٧٩٥.

<<  <   >  >>