للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه الآية، وإن كانت نازلة في أهل الكتاب وما كتموه من شأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصفاته، فإن حكمها عام لكل من اتّصف بكتمان ما أنزل اللَّه من البيّنات الدّالات على الحق، المُظهرات له، والعلم الذي تحصل به الهداية إلى الصراط المستقيم، ويتبيّن به طريق أهل النعيم من طريق أهل الجحيم، ومن نبذ ذلك وجمع بين المفسدتين: كَتْم ما أنزل اللَّه، والغش لعباد اللَّه، لعنه اللَّه، ولعنه جميع الخليقة؛ لسعيه في غشّ الخلق وفساد أديانهم، وإبعادهم عن رحمة اللَّه، فجُوزيَ من جنس عمله، كما أن معلّم الناس الخير يستغفر له كل شيء حتى الحوت في الماء، والطير في الهواء؛ لسعيه في مصلحة الخلق، وإصلاح أديانهم؛ ولأنه قربهم من رحمة اللَّه، فَجُوزيَ من جنس عمله (١).

وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ((من سُئِل عن علمٍ يَعْلَمُهُ فَكتَمَهُ أُلْجِمَ يوم القيامة بلجامٍ من نار)) (٢).

فتبيّن بذلك وغيره أن العلم النافع الذي هو أحد أركان الحكمة لا يكون إلا مع العمل به؛ ولهذا قال سفيان (٣) في العمل بالعلم والحرص عليه: ((أجهل الناس من ترك ما يعلم، وأعلم الناس من


(١) انظر: تفسير عبد الرحمن بن ناصر السعدي،١/ ١٨٦،وتفسير البغوي،١/ ١٣٤،وابن كثير، ١/ ٢٠٠.
(٢) الترمذي، في العلم، باب ما جاء في كتمان العلم، برقم ٢٦٤٩، وأبو داود في العلم، باب كراهية منع العلم، برقم ٣٦٥٨، وابن ماجه في المقدمة، باب من سئل عن علم فكتمه، برقم ٢٦٦، وأحمد، ٢/ ٢٦٣، ٣٠٥، وانظر: صحيح ابن ماجه للألباني، ١/ ٤٩، وصحيح الترمذي، ٢/ ٣٣٦.
(٣) سفيان بن عيينة بن أبي عمران، الإمام الكبير شيخ الإسلام، ولد سنة ١٠٧هـ، في النصف من شعبان، وعاش (٩١) سنة. انظر: سير أعلام النبلاء، ٨/ ٤٥٤ - ٤٧٤.

<<  <   >  >>