للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إن سوق (بومدفع) لا يثير اهتماما إلا لأنه يقدم للناظرين علامات تطور نفسي واجتماعي مهمة جدا.

وفي الواقع، إذا وضعنا أنفسنا في رؤية زمنية تعود بنا إلى الماضي، وتشمل الفترة الواقعة بين سنة ١٩٣٠ (وهي تقريبا السنة التي أسس فيها العمل الإصلاحي)، وبين سنة ١٩٤٥ (وهي السنة التي بدأت فيها الحركة المسلحة)، فإننا نجد أن تاريخ هذا البلد يسير في تطور تصاعدي.

إن كل الطاقات الأخلاقية والسياسية وكل الطموحات والضغوطات المتراكة خلال تلك الفترة هي التي تسنح للبلد أن يتجاوز المرحلة الصعبة من تاريخه، وأن يدخل في خضم ثورته التي ستكون بالضبط ذروة هذا التطور التحضيري.

إن رأس المال الثوري الذي كان متوافرا عشية الواحد من نوفبر/ تشرين الثاني من سنة ١٩٥٤، كان كا الأساس ثمرة هذا التطور الذي قامت الحركة الإصلاحية فيه بدور رئيس. وإذا كنا نلاحظ بعد الثورة حصول انهيارات سريعة في بعض المواقع، فإننا على العكس من ذلك، نجد ما يقابلها من تبديد ل بعض رأس المال الثوري. وأسارع إلى القول بأننا لا نجد هذا التبديد فقط في سوق مثل سوق (بومدفع). إن تبسيط مشكلة معقدة هو ما دفعني إلى تركيز الانتباه على مظهر من مظاهرها يبين معالم التقهقر ويعيد النظر في الهدف الرئيسي للثورة.

لقد حاولت في إحدى مقالاتي أن أبين أن هذا الهدف يقوم على أساس (تغيير الإنسان). وأضيف هنا أن هذا التغيير ليس له أي معنى ثوري إلا في إطار التقدم. وإلا يكون تقهقرا. إنه خطوة نحو الوراء بالنسبة لمسيرة الثورة.

إن الحالة التي يقدمها (بومدفع) تسمح لنا بقياس تناقض الحركة الإصلاحية التي تخلت عن مواقعها في المعركة، في الوقت الذي كانت فيه معاني الإصلاح تأخذ أهميتها في بلد يواجه فعلا تحديات لا تصدق.

<<  <   >  >>