إن المشروع يتناول على الأخص مسألة، يتوجب على المثقفين أن يبحثوا فيها، طالما أن الفرصة قد سنحت لهم بذلك، أعني أن توضع للمرة الأولى كل الالتباسات الفولكلورية والسوسيولوجية التي تحيط بمفهوم (الثقافة). إن هذا المفهوم يكون في الواقع المقياس الصحيح للمستوى الحضاري في بلد معين، وللطاقة الكامنة في المجتمع، أكثر مما يقدمه مقياس الآلات وعددها.
لم تكن ألمانيا تملك سنة ١٩٤٥ الآلات ولا الماركاتا ولا الدولارات. ولا حتى السيادة القومية. لم تكن تملك سوى رأسمال واحد، لا يمكن تدميره. الحقيقة أنه لم يكن للقنابل الفوسفيرية ولا للدبابات القدرة على أن تدمر ثقافة ألمانيا، وأنا لا أقول (علمها (ولا (تقنيتها) وهما التباسان آخران يشوشان كذلك معنى الثقافة، لأنهما يضعان هذه الأخيرة تحت سلطة المدرسة أو المصنع.
ذلك أن من أعاد بناء ألمانيا بعد سنة ١٩٤٥ ليس العالم ولا التقني، فضلا عن أن معظم العلماء والتقنيين مثل (فون براوق) كان قد استولى عليهم الأميركيون أو السوفيات وعدوهم غنائم حرب. إن من أعاد بناء ألمانيا هو الروح الألمانية، روح الراعي والفلاح والعامل والحمال والموظف والصيدلي والطبيب والفنان والأستاذ.
وبكلمة واحدة، إن الثقافة الألمانية- دون التباس، ودون تضييق اجتماعي أو فكري لمعناها- هي التي أعادت بناء بلد (غوته) و (بسمارك).
إن رجل (المعجزة الألمانية) بعد الحرب ليس (إيرهارد) كما تدعي الصحف والإعلام. فقبل الحرب وقبل (إيرهارد) هناك (شاخت) وهناك (معجزة ألمانية)، وهذه الأخيرة ستتكرر طالما بقي هناك ثقافة ألمانية.
أضف إلى ذلك أن حدود (المعجزة) هي حدود ثقافية لا يمكن للمعجزة أن توجد خارجها. لقد اتضح لنا هذا الأمر مع الدكتور (شاخت)، فهو لم يستطع البتة أن يكرر هذه المعجزة التي أنتجتها- ولا تزال تنتجها- بلاده، في بعض الدول الآسيوية